أمير تبوك: المملكة تعيش نهضة تنموية شاملة    فيصل بن مشعل: نفتخر ونعتز بما حققته مستهدفات الرؤية    "آمن" يقدم برامج توعوية في الأمن السيبراني    هيئة التطوير والأمانة تناقشان البنية التحتية في الشرقية    العدالة الرقمية    8 أعوام من رؤية القائد الطموح    مجلس الشيوخ الأمريكي يمرر حزمة مساعدات أوكرانيا    الشرطة تقتل رجلاً مسلحاً في جامعة ألمانية    سورية.. الميدان الحقيقي للصراع الإيراني الإسرائيلي    متى تصبح «شنغن» إلكترونية !    العروبة يتغلب على الخلود بهدف في دوري يلو    اختيار المملكة مركزاً للمعرفة يؤكد ريادتها في التنافسية العالمية    عبدالعزيز بن سعد يناقش مستقبل التنمية والتطوير بحائل    تعزيز التعاون العدلي بين المملكة وهونغ كونغ    سعود بن نايف يشدد على تعريف الأجيال بالمقومات التراثية للمملكة    محافظ الأحساء يكرم الفائزين بجوائز "قبس"    مركز التواصل الحكومي.. ضرورة تحققت    أتعبني فراقك يا محمد !    أمير الشرقية يرعى تخريج الدفعة 45 من طلبة جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    سلمان بن سلطان: القيادة تولي خدمات الحج والعمرة الاهتمام الأكبر    انطلاق أعمال منتدى العمرة والزيارة في المدينة    أمير الرياض يستقبل عددًا من أصحاب السمو والفضيلة وأهالي المنطقة    العين الإماراتي إلى نهائي دوري أبطال آسيا والهلال يودّع المسابقة    أرسنال يسحق تشيلسي بخماسية ويبتعد بفارق ثلاث نقاط في صدارة «البريمرليغ»    الهلال يواجه الاتحاد والأهلي يلتقي النصر في مربع السلة الذهبي    أخضر تحت 23 يستعد لأوزباكستان ويستبعد مران    العين الاماراتي يقصي الهلال من نصف نهائي دوري ابطال آسيا    الرئيس يضع يايسله في حيرة    الوحدة تزيد الرغبة في السكريات    الحميات الغذائية الطبية وسيلة لشفاء القولون العصبي    الاستغناء عن الدواء!    وزير الخارجية يستعرض مع "الزياني" العلاقات الوثيقة    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتقي منسوبي فرع الرئاسة العامة بمنطقة جازان    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزور جامعة جازان ويقدم محاضرة عن "جهود المملكة العربية السعودية في حماية الجيل من الانحرافات"    مطالب بتمكين موظفي الحكومة من مزاولة "الأعمال"    مقتل عنصر في حزب الله بضربة إسرائيلية    300 موهوب بنهائي أولمبياد "أذكى"    أمير الرياض يرعى غدًا حفل جائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية    سدوس.. من أقدم المستوطنات البشرية في جزيرة العرب    الادعاء يتهم ترمب بانتهاك حظر النشر في قضية «المال الخفي»    4 ميداليات لجامعة نورة    السعودية تدين استمرار جرائم قوات الاحتلال في غزة دون رادع    دوريات «المجاهدين» بالمنطقة الشرقية تقبض على شخص لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    القصاص من مواطن قتل أخته    بيانات اقتصادية قوية من أوروبا ترفع أسعار النفط    تدشين أول مزرعة حضرية داخل المتاجر وأسواق المنتجات الغذائية    الفريق البسامي يستعرض الخطط الأمنية لقوات أمن الحج    تركيب نصف مفصل فخذ صناعي لسبعيني في مستشفى الملك خالد بالخرج    المجمع الفقهي يوصي بتمكين المرأة بالتعليم    سمو وزير الدفاع يتلقى اتصالا من وزير الدفاع البريطاني    ارتفاع في درجات الحرارة على منطقتي مكة والمدينة وفرصة لهطول أمطار بالجنوب    الإعلام والنمطية    تطوير العلاقات البرلمانية مع اليونان    دور السعودية في مساندة الدول العربية ونصرة الدين الإسلامي    أمانة المدينة تطلق الحركة المرورية في طريق سلطانة مع تقاطعي الأمير عبدالمجيد وخالد بن الوليد    الزائر السري    أمير الرياض يرعى حفل تخريج دفعة من طلبة الدراسات العليا في جامعة الفيصل    انطلاق منتدى «حِمى» بمشاركة محلية ودولية.. ريادة سعودية في حماية البيئة لمستقبل العالم والأجيال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "الهولندي الطائر" لفاغنر : الخلاص في الحب الوفي
نشر في الحياة يوم 15 - 02 - 2009

في كتاب مذكراته المعنون"حياتي"يذكر ريتشارد فاغنر أن فكرة أوبرا"الهولندي الطائر"التي كتب نصها ولحنها، لتصبح الرقم 7، بين سلسلة أوبراته الكبرى التي شغلت المشاهدين وأهل الموسيقى طوال النصف الثاني من القرن العشرين، أتته حيث كان يجتاز بحر البلطيق على متن سفينة، فهبت عاصفة بحرية مرعبة أعطته الفكرة ليكتبها لاحقاً ويضع لها الموسيقى. غير أن فاغنر نفسه، وفي نص لاحق له، يقول إن الفكرة الأساسية لأوبرا"الهولندي الطائر"انما جاءت في قصيدة للشاعر هاينرش هايني تحمل العنوان نفسه. والحقيقة أن فاغنر لم يكن في حاجة الى هذا التأكيد الأخير، وذلك ببساطة لأن قصيدة الشاعر الألماني الكبير، كانت أشهر من أن تُسرق ويغفل الناس عن سرقتها. أما الحقيقة الواقعة بين التأكيدين، فهي أن فاغنر كان بالفعل على ظهر سفينة تنقله من ريغا، على بحر البلطيق، الى لندن، مع زوجته في ذلك الحين مينا، حيث هبت تلك العاصفة التي صارت شهيرة بفضل حكايته، فكان أن ذكرته بقصيدة هايني وقرر أن يجري تعديلات في الحكاية التي ترويها القصيدة، ومن ثم تحويلها الى أوبرا قصيرة من فصل واحد تقدم مع عرض لباليه من الباليهات. وهو بالفعل حين وصل الى لندن، كان قد صار مفلساً تماماً، ويعيش من دون جواز سفر بعدما سحبت منه السلطات جوازه بناء على طلب دائنين راحوا يطاردونه في كل مكان، باع النص الشعري الى مدير"كورت رويال"الذي دفع 500 فرنك من دون أن يكون مقتنعاً بالعمل. أما فاغنر، فإنه إذ وجد نفسه، مع بعض المال، حراً في التصرف في النص، راح يوسع الحكاية، حتى صارت أوبرا تقليدية من ثلاثة فصول، لكنها بدلاً من أن تقدم في لندن، كما كان متفقاً عليه، قدمت للمرة الأولى في درسدن، خلال شهر كانون الثاني يناير 1843، حيث تولى فاغنر قيادة الأوركسترا بنفسه. ولا بد من أن نذكر هنا أن هذا العمل قد لقي، من فوره نجاحاً جماهيرياً ونقدياً كبيراً، إذ اعتبرت من أبسط أوبرات فاغنر، وأكثرها امتلاءً بالحب. ولا بد من أن نذكر منذ الآن بأن فاغنر ركز في"الهولندي الطائر"على موضوعة الحب المنقذ، التي لن يبارحها بعد ذلك في أي من أوبراته، بل لا بدّ من القول أيضاً أن هذه"التيمة"هي الأساس الذي بنى عليه هايني قصيدته أصلاً. الحب المنقذ؟ شرط أن تكون الحبيبة امرأة وفية، لأن الخلاص يتعلق، في نهاية الأمر، بهذا الوفاء.
مهما يكن من أمر، نعرف أن أسطورة"الهولندي الطائر"أسطورة معروفة منذ زمن بعيد، ومن قبل"استيلاء"هايني، ومن ثم فاغنر عليها. وهي، في صياغة هايني لها، أتت أشبه بمعادل لأسطورة"اليهودي التائه". ذلك أن هايني يتحدث هنا عن قبطان الباخرة الشبح، الذي كانت الآلهة قد سمعته وهو يطلق لعنانه، فحكمت عليه عقاباً له بأن يمضي كل حياته وحتى يوم القيامة، متجولاً في سفينة من مكان الى آخر، بلا راحة أو سعادة، اللهم إلا اذا عثر يوماً على امرأة تحبه، حتى النهاية بوفاء واخلاص. فكيف يعثر على المرأة؟ لقد سمحت له الآلهة، بأن ينزل الى الشاطئ مرة كل سبع سنوات ويسعى الى العثور على المرأة، فإذا عثر عليها انتهى"طيرانه"وتجواله، وإن لم يعثر عاد الى السفينة ليدور في البحار من جديد.
تبدأ أوبرا فاغنر بعد الافتتاحية، كعادته ستضم مجموعة من اللوازم الموسيقية التي تحيلنا الى مواقف وشخصيات ستلتقيها لاحقاً فصلاً بعد فصل، تبدأ بعاصفة عاتية غير بعيدة من سواحل النروج، على بحر البلطيق. وها هو القبطان دالاند، يحاول انقاذ نفسه وأفراد طاقمه والسفينة باللجوء الى شاطئ. ولما اشتد عصف الرياح، يطلب من البحار المراقب أن يفتح عينيه جيداً، ثم ينسحب مع رجاله. غير أن البحار يشعر بالنعاس فيغمض عينيه ما يمنعه من أن يشاهد سفينة شبح تظهر من بعيد مقتربة. وما أن ترسو حتى ينزل منها شخص غامض أسود الثياب شاحب الوجه، يروح من فوره شاكياً حاله، راوياً حكايته وكيف أنه يتجول في البحار تبعاً لتلك اللعنة التي حلت به، واصفاً كيف أنه حتى الآن وعلى رغم كل توسلاته ومحاولاته، عجز عن العثور على الزوجة الوفية المنقذة.
بعد هذا، يلتقي دالاند بالقبطان الغريب الذي سرعان ما يعرض عليه كنزاً. ثم حين يفهم الغريب أن لدالاند ابنة في سن الزواج وأنها حسناء يطلب يدها من فوره. أما دالاند فإنه، إذ سمع بحكاية الكنز، يوافق بسرعة حتى من دون أن يسأل القبطان الغامض عن هويته، ثم يلتقي الطاقمان ويبحران معاً. وهذا يقودنا الى الفصل الثاني الذي تبدأ أحداثه في بيت القبطان دالاند، حيث تطالعنا مجموعة من فتيات حسناوات يرقصن ويغنين ومن بينهن سينتا ابنة دالاند، التي تنظر بين الحين والآخر، كالحالمة الى لوحة كبيرة معلقة في صدر الدار تمثل صورة"الهولندي الطائر"التي يعتز بامتلاكها، عادة، بحارة السفن التي تجوب البحار، كنوع من التعويذة. ويبدو لنا واضحاً هنا أن سينتا، انما تحلم بأن تكون هي، بحسب الأسطورة، المرأة التي تنقذ القبطان الجوال من تجواله الأبدي. وهي هنا تغني أمام رفيقتها رواية لهن، في الأغنية حكاية ذلك القبطان. وهنا، مع انتهاء الأغنية يصل الى الدار اريك، حبيب سينتا السابق، الذي يعود الى مغازلتها، ثم ما إن يبقى وحده مع سينتا بعد خروج الفتيات، حتى يحذرها قائلاً إنه رأى حلماً مخيفاً شاهد فيه أباها القبطان وهو عائد مع شخص غريب غامض يأخذها معه الى البحر. غير ان سينتا، بدلاً من أن يخيفها هذا الحلم، يشعرها بالسعادة. وإذ يخرج اريك، يدخل الى القاعة الوالد القبطان ومعه الشخص الغريب. وما إن تشاهد سينتا هذا الشخص حتى تروح محدقة به، كما يفعل هو تجاهها في صمت غريب.. وهما بالكاد يلحظان للأب وجوداً.
أحداث الفصل الثالث من الأوبرا تدور عند مساء ذلك اليوم نفسه، عند الشاطئ، حيث يبدأ الفصل بدعوة طاقم دالاند، بحارة السفينة الأخرى، لمشاركتهم الأعياد والأفراح، غير ان هؤلاء لا يستجيبون بل لا يريدون وكأنهم أشباح. ويبعث هذا الرعب في أوصال البنات فينسحبن، وكذلك يفعل من بعدهن بحارة دالاند وقد تملكهم بدورهم خوف مريع. وهنا وسط هذا المناخ يكون وصول سينتا يتبعها اريك يعاتبها من جديد مذكراً اياها في أغنية حزينة غاضبة كيف كانت تحبه وأقسمت له ذات يوم على ديمومة ذلك الحب. وهنا يكون الغريب الغامض قد استمع الى عتاب اريك وشكواه، فيشعر أنه لا أمل له في الحصول على قلب الفتاة، ويروح من جديد شاكياً همه واللعنة الأبدية التي أحاقت به.. لقد أضحى يائساً إذ بات الآن يعتقد بأنه، بعد أن خيّل اليه أنه وصل الى الحب أخيراً، وهو أحب الفتاة بالفعل، ها هو يفقد هذا الحب، وعاد مكتوباً عليه أن يبقى أسير لعنته وذنوبه القديمة. وإذ ينتهي من أغنيته ينادي رجاله بالاستعداد للإبحار من جديد، ومن ثم يخبر سينتا بحكاية اللعنة، معلناً أمام ذهول دالاند، أنه هو نفسه"الهولندي الطائر". وإذ يعود القبطان الغريب الى سفينته وتبدأ هذه السفينة بالتحرك، تصرخ سينتا بأنها، مهما يكن الأمر، ستبقى مخلصة للهولندي الطائر حتى الموت، ومن ثم ترمي نفسها وسط أمواج البحر. وبهذا تكون قد أنقذته. أما في المشهد الأخير، فإننا نشاهد السفينة الشبح مبتعدة، بينما الهولندي الطائر وسينتا صاعدان الى السماء معاً.
واضح هنا أننا في ازاء الأوبرا الأكثر رومانطيقية بين أوبرات ريتشارد فاغنر 1813 - 1883 هو الذي طغى الحس الرومانطيق - الاسطوري، دائماً على أعماله، واعتبر في القرن التاسع عشر، أحد أكبر المجددين، ليس فقط في فن الأوبرا، بل كذلك في الثقافة الألمانية ككل. كذلك في استخدام الأدب الشعبي الألماني والأساطير الجرمانية مادة لأعمال فنية/موسيقية حديثة. ومن أهم أعمال فاغنر، الذي كذلك أصدر كتباً نظرية عدة حول الموسيقى وفن الأوبرا والدراما"خواتم نويبلينغ"و"تريستان وايزولت"و"أساطين الغناء"و"بارسيفال"و"تانهاوزر"اضافة الى تأسيسه مسرح بايريت.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.