"الكاميرا" العربية لا تحب النزول إلى الشارع. أكثر الحوارات تتم في "الاستوديو"، الذي يبدو كغرفة عمليات لا يمكن أن تتم اللقاءات إلا فيه. ربما لپ"خلوه من الجراثيم"، وكأن مذيعينا"جراحون"يحتاجون إلى"قفازات"وپ"رداء أخضر"، لكنها قفازات مهندسي الإضاءة وأردية فنيي التجميل. أما فن"المراسلة التلفزيونية"فلا نكاد نشاهده إلا في الحروب التي تتطلب فيها"التغطية التلفزيونية"، مؤثرات بصرية وسمعية لا تتوافر في الاستوديوات. في القنوات الأجنبية، نشاهد لقطات لبرتني سبيرز وهي تخرج من أحد المطاعم، ولقطات لمركبة ياسمين بالش بعد حادثة سير لها، أما في قنواتنا العربية، فلن نشاهد فناناتنا إلا تحت"الأضواء"، وبالماكياج الكامل. في القنوات الأجنبية أيضاً، نشاهد قصة كفاح أم في تربية أبنائها المعوقين، أما في قنواتنا فلن نشاهد"المواطن"إلا لماماً، والسبب أن هذا"المواطن"يحتاج إلى أن تزوره الكاميرا في الشارع الذي يعيش فيه... في الحي الذي يقطنه... في البيت الذي يسكن فيه، وهذه الزيارة تتطلب جهداً ووقتاً وإمكانات لا تستطيع القنوات العربية"توفيرها". أما كبار الشخصيات من زوار"الأستوديوات"، فهم لا يحتاجون إلا لتنسيق"بروتوكولي"، ومن ثم سيحضرون في سيارات فارهة، ولن تتكلف القناة أي شيء. حتى فنيو التجميل لن يبذلوا جهداً، لأن الضيف سيأتي"متأنقاً". في السعودية مثلاً، لا ينفك الناس يتحدثون عن قضية"طفلي نجران"اللذين تم تبديلهما في مستشفى الولادة، فعاش كل واحد منهما مع أسرة غير أسرته مدة أربع سنوات قبل أن تثبت الفحوصات الطبية نسبهما، لكننا في المقابل لم نشاهد تغطيات مصورة لهما سواء على صعيد الأسرة السعودية أو التركية، على رغم أن القصة تحتمل في طياتها ما يكفي لتقفز إلى أولوية أجندة أي قناة عالمية. ماذا لو وقعت هذه الحادثة في فلوريدا؟ كم مصوراً ومراسلاً تلفزيونياً كان سيقف على باب هذه الأسرة؟ ربما حينها، كان سيتكبد والد أحد الطفلين أبو علي عناء وصعوبة التحرك من دون مراقبة تلفزيونية أو متابعة"الباباراتزي"، لكنه - كما تخبرنا الصحف - استطاع أن يذهب إلى الصحراء وحيداً، لتخفيف الضغوط عن نفسه من دون أن تلاحقه أية كاميرا لتكشف لنا خبايا حاله، ف"أبو علي"لا تسبق اسمه أي صفة تجذب الكاميرا العربية سوى أنه"مواطن عربي".