فيلم "الرغبة" الذي أخرجه علي عبدالخالق اخيراً عن مسرحية تنيسي وليامز المعروفة "عربة اسمها الرغبة" لم يكن المعالجة السينمائية المصرية الاولى لهذا النص. وهو كذلك ليس العمل الوحيد للمؤلف المسرحي الاميركي الذي جرى تحويله الى فيلم سينمائي. مسرحية "عربة اسمها الرغبة" التي اقتبس عنها فيلم "الرغبة" كانت عرضت في أميركا للمرة الأولى في العام 1947، ثم تحولت الى فيلم سينمائي اخرجه ايليا كازان وتقاسم بطولته مارلون براندو وفيفيان لي. ورشح الفيلم يومها لاثنتي عشرة من جوائز الاوسكار، فاز بأربع منها، ثلاث لممثليه فيفيان لي وكارل مالدين وكين هتنز. كما فاز بجائزة رابطة نقاد السينما في نيويورك وبجائزة المجلس القومي الاميركي لاستعراض الافلام السينمائية. ثم تحولت المسرحية نفسها الى فيلمين تلفزيونيين في اميركا، وعموماً هناك 15 فيلماً سينمائياً مأخوذة عن مسرحيات وليامز التي استمدت أهميتها من قوة النص والتمكن من النفاذ الى مجتمعات الجنوب الاميركي ونجاحها في ترجمة مشاعر ابطاله ومشكلاتهم بصدق حقيقي. لقد ارتفعت اعماله الى مستوى إنساني جعلتها من كلاسيكيات الادب العالمي، وكل هذا منطبق على مسرحية "عربة اسمها الرغبة" في شكل جوهري. في مصر الفيلم المصري الاول المأخوذ عن المسرحية كان "انحراف" 1985 أخرجه تيسير عبود وكتب له السيناريو والحوار مصطفى محرم ومثله نور الشريف ومديحة كامل ونورا وصلاح السعدني وطارق النهري. في هذا الفيلم تتزوج هدى ابنة الثري ابو ماضي من سائق العائلة حسن ويرحلان الى القاهرة. أما اختها سميحة فتستسلم للقواد كرم وينتحر زوجها علاء. وبعد وفاة والدها تبيع الفيللا حتى تسدد ديون علاء ثم تدخل السجن في قضية آداب. وبعد الافراج عنها تبحث عن عنوان شقيقتها هدى، وتصل اليها. يتعلق كمال صديق حسني بسميحة ويتفقان على الزواج على رغم تحذير حسن له، يتعرف كرم الى حسن الذي يبوح له بحقيقة سميحة فيواجهها فلا تنكر وتنهار وتصاب بالجنون. في 1986 العام التالي مباشرة كان هناك الفيلم الثاني المأخوذ عن المسرحية نفسها، وعنوانه "الفريسة"، وكان من اخراج عثمان شكري سليم وسيناريو عصام الجمبلاطي، ومثلته سهير رمزي وسماح انور وفاروق الفيشاوي ومحمود الجندي. وفيه تتزوج نشوى ابنة الثري الشهاوي من سائق سيارته عامر ما يغضب والدها واختها احلام، وتتزوج احلام من طارق الذي ينتحر ويموت الاب بعد ان يعلن عن افلاسه. تقيم احلام مع اختها ولا تجد ترحيباً من عامر، يعجب صديقه المحامي صلاح بها ويتفقان على الزواج، ولكن عامر يشوه صورتها لديه ويحاول الاعتداء عليها فتقاومه وتصيبه اصابة خطيرة بآلة حادة وقبل أن يلفظ انفاسه، يعترف لصلاح بحُسن اخلاقها وتصاب هي بانهيار ويتولى صلاح الدفاع عنها في القضية التي تحفظ. يموت والد عامر ويترك ثروة كبيرة ترثها نشوى وتشفى احلام. في الفيلم الجديد المعروض في العام 2002 الذي عاد به علي بدرخان الى الاخراج بعد فترة من التوقف، وكتب له السيناريو والحوار الدكتور رفيق الصبان تقوم بالبطولة نادية الجندي في دور نعمت وإلهام شاهين في دور ليلى، وياسر جلال سامح وصلاح عبدالله عبد الفتاح. والفيلم يبدأ بوصول نعمت من المنصورة الى الاسكندرية ومعها عنوان شقيقتها الصغرى ليلى، التي تزوجت من سامح على رغم عدم موافقتهاعلى هذا الزواج، تكتشف ان الزوج يسيء معاملتها. يتعرف صديق الزوج عبدالفتاح صلاح عبدالله الى نعمت ويقع في غرامها من اللحظة الاولى ويطلب يدها، ولكن الزوج يكتشف حكاية شقيقة زوجته في المنصورة بالصدفة، يسافر الى المنصورة لمعرفة التفاصيل، ويعود ليحذر صديقه الذي كان زميلاً له في حرب تشرين الاول اكتوبر 1973، ويتصل الصديق بالمنصورة ويتأكد مما قاله صديقه، فيرفض الزواج منها، وعندما تخبر نعمت شقيقتها انها باعت العزبة التي يمتلكنها في ريف المنصورة، يضطر الزوج الى تفتيش حقيبتها في غيابها حتى يعثر على اوراق بيع الميراث، وتصاب نعمت بالجنون وينتهي بها الامر في سيارة الاسعاف التي تأخذها الى مستشفى المجانين. تمصير سيء واضح ان الافلام المصرية الثلاثة التزمت الخط الجوهري لمسرحية وليامز، وان العمل الاخير، الذي قدم المعالجة الثالثة لها بعد أكثر من نصف قرن من كتابة المسرحية لم يقترب من تفسير جريء للعمل. ايضاً فإن عملية التمصير لم تكن جوهرية بمعنى أن هناك كثيراً من الامور المنقولة من النص الاميركي لم يتم تمصيرها في شكل جيد، مثل البارات الكثيرة، وفتيات الليل اللواتي يقفن في الشوارع ليلاً تحت اعمدة النور، وتناول الكحول بصورة ادمانية، وربما كان النقل أو التمصير تمّ اعتماداً على الفيلم السينمائي الاميركي المأخوذ عن المسرحية اكثر من كونه عن نص المسرحية نفسها. ومن المعروف أنه جرى اقتباس مسرحيتين لتنيسي غير هذه، ذلك أن السينما الاميركية والمسرح الاميركي - كما يقول الناقد السينمائي محمود قاسم في كتابه "الاقتباس في السينما المصرية" - شكلا الأم الرؤوم للسينما المصرية التي اخذت منهما الكثير من الاعمال. هناك أولاً فيلم "قطة على نار" المأخوذ عن مسرحية "قطة على سطح من الصفيح الساخن" المنشورة سنة 1953 وقدمت في فيلم سينمائي اميركي رشح لست من جوائز الاوسكار. أما الفيلم المصري "قطة على نار" الذي اخرجه سمير سيف سنة 1977 عن سيناريو وحوار رفيق الصبان، فكان من تمثيل نور الشريف وبوسي وفريد شوقي وليلى طاهر ومريم فخر الدين، وفيه يتعجل مختار وزوجته يسرية موت والده المريض ليرثاه. اما الابن الاصغر امين فيعطف عليه في حين تطمع زوجته جيجي، بان يكتب المصنع الذي يمتلكه باسمها. تعاني جيجي في حياتها مع امين وترتاب في علاقته المقبلة مع صديقه عزت، وينتحر عزت وينهار امين ويفتضح امره، تزداد الفجوة بين الزوجين ويوبخ الأب امين على معاملته السيئة لجيجي ويعده بالمصنع، يكشف له امين عن مرضه الخطير، فينهار. ويعرب امين عن ندمه لجيجي على سوء معاملته. وبعد هذا هناك فيلم "الزمار" المأخوذ عن مسرحية "هبوط اورفيوس" المنشورة سنة 1958 والذي اخرجه عاطف الطيب وكتب له السنياريو رفيق الصبان والحوار عبدالرحيم منصور، الشاعر الذي خطفه الموت في شبابه. ونذكر هنا أنه عندما جرى تمصير المسرحية تحولت الى فيلم سينمائي تجرى احداثه في صعيد مصر، وقام ببطولته نور الشريف وبوسي وصلاح السعدني ومحسنة توفيق. وفيه يهرب الطالب الثوري الى الصعيد بعد اتهامه في قضية سياسية، واذ يحسن العزف على آلة الناي يكون هذا مصدر رزقه، ويقوم بالتنقل من مكان الى آخر حتى يستقر به الحال في بلدة يتفشى فيها الظلم والفساد فيقف في صف المظلومين ويحررهم من الخوف، الى أن يتوصل اليه رجال الشرطة ويغتالونه. وعلى رغم ان "الزمار" من الافلام الجيدة والممتازة، فإنه يُعرض عرضاً جماهيرياً في مصر حتى الآن.