مهمة الشاب المسلم، حمد خميس في سنجار، فيها الكثير مما يستحق المتابعة والتسجيل، لكونه أولاً مسلماً قرر مساعدة صديقته الإيزيدية في إحضار الماء المقدس لها من معبد لاليش في شمال العراق لتعمد به طفلها في برلين، كما جرت عليه عاداتهم. ولأنه أيضاً يعمل منذ مدة على مساعدة الأجانب للاندماج في المجتمع الألماني، إذ كان همه نقل صورة الإسلام الحقيقي للألمان، لا تلك التي يدعي «داعش» تمثيلها وتسيء كثيراً إلى المسلمين ودينهم. لم يفكر حمد من قبل في زيارة العراق، لكن كلام صديقته وحزنها على حرمان الظروف الصعبة، التي تشهدها المنطقة من إمكان ذهابها إلى سنجار لتعميد مولودها هناك، جعله يتحمس للمهمة. اعتبر اللبناني الأصل حمد أن هناك واجباً أخلاقياً يفرضه عليه دينه وصداقته للعائلة الإيزيدية المهاجرة إلى برلين بعد مجازر عام 2014 لسكانها العزل، وكان الدافعان بالنسبة إلى فريق العمل التلفزيوني الألماني مُقنعين لمرافقته ومتابعة مصير المهمة التي أخذها على عاتقه. قبل ذهابه إلى أربيل، نقل وثائقي «نبع الإيزيدين المقدس» أجواء العلاقة الطيبة التي تربط الشاب المسلم بعائلة تمارا ومدى احترام زوجها له، وامتنانه لخطوته الشجاعة في الذهاب إلى منطقة ما زالت خطرة خصوصاً لشاب مثله نشأ في ألمانيا، يغامر الآن بحياته من أجل أحضار الماء المقدس لطفلهم. في أربيل كانت شابة أيزيدية في انتظاره، تطوعت لمرافقته في مهمته. حكى لها في الطريق عن مدى تأثره بالمشاهد المنقولة عن جرائم الإبادة التي تعرض لها الإيزيديون في مناطقهم، بدورها نقلت له أديبة قاسم ما أصاب عائلتها على يد «الدواعش»، حيث قتل وسجن أثناء استباحتهم لقراهم أكثر من سبعين شخصاً منها، بعضهم ما زال مجهول المصير. جولاته في سنجار أصابته بالصدمة: «لم أكن أتصور المدينة بهذا الشكل. إنها محطمة بالكامل. الخراب أتى على كل شيء فيها». شرحت له الشابة كيف أباد الدواعش القرى الإيزيدية عن بكرة أبيها ولم يستثنوا من أفعالهم المريعة الأطفال الرضع. مع أنه وصل في المرحلة الأخيرة من عمر «داعش» في شمال العراق، إلا أن تراشق النار بين بعض فلولهم وبين قوات البيشمركة الكردية، كانت تجري على بعد مسافة قريبة منه. في اليوم الثاني من مهمته النبيلة قاده أهالي المنطقة إلى منطقة حفرت فيها مقابر جماعية، ليطلع بنفسه على ما جرى حقاً للإيزيدين. الجماجم كانت ظاهرة على السطح وفي داخل الأنفاق المحصنة رأى غرف السبايا. تأثره بالمشاهد زاد مع نقل أحد الضباط حقيقة مؤلمة تتمثل في بناء الشباب الإيزيدين بأيديهم تلك الأنفاق. «أجبر الدواعش كل شاب إيزيدي مسجون عندهم على العمل ثلاثة أسابيع في حفر الأنفاق وتمتين جدرانها والرافض منهم كان ينفذ فيه حكم الإعدام في المكان ذاته». في المساء زار وحدة المقاتلات الإيزيديات واستمع إلى تجارب بعضهن في مقارعة «داعش»، ومع ذلك كانت معنوياتهن عالية. حلقات الرقص الفولكلورية المشاركات فيها عبرت عن معانيها الجديدة الشابة أديبة بفخر: «الدواعش يكرهون الموسيقى والغناء والحياة، لهذا مواصلة رقصاتنا وأغانينا نوع من الرد على همجيتهم». إحضار نساء مسلمات الطعام إليهن من القرى القريبة أثر في ضابطة الوحدة فعبرت بانفعال شديد عن شكرها وامتنانها من كل مساعدة يقدمها الآخرون لشعبها. خيبة أمل الإيزيدين بالعالم الذي تركهم يواجهون مصيرهم وحدهم أثناء الاجتياح البربري ل «داعش»، لم تخمد والنقاشات الطويلة حول ما جرى لهم أشعر الضيف ببعض الحزن لإدراكه أن من قام بتلك الجرائم لا يمثل المسلم حقاً. انزعاجه من كلام مرافقة رحلته ترك أثراً سلبياً في نفسه وكاد يخرب المهمة برمتها. شرحت الشابة أسباب موقفها وإدانتها للصمت الذي أحاط ذبح أهلها، وطالبت الشاب المسلم بتفهم ما في قلوب الناس بعد كل ما عاشوه من آلام. في اليوم الأخير من الرحلة وفي طريقهم إلى معبد لاليش المقدس اعتذر حمد من الفتاة وطلب منها مسامحته لعدم أخذه أوجاعهم بالقدر ذاته الذي يشعرون بها، بدورها قبلت أديبة اعتذاره وذهبا سوية لجلب ماء التعميد من المعبد. في ألمانيا كانت فرحة العائلة الإيزيدية لا توصف، وعن امتنانها بعمل حمد قالت صديقته تمارا: «حمد يمثل نموذجاً للمسلم الحقيقي. به وبأمثاله تترسخ قناعتي بأن العالم ما زال فيه أخيار يمكن الاعتماد عليهم».