منحوتة منى السعودي لا تأخذ ملامح الشكل الإنسانيّ، بل تستدعي معانيَ حضوره، أفكارَه وحالاته، تستدعي تاريخ الحجر في ذاكرة الإنسان وفي حياته. إنه الحجر، الساكن الأول، الابن الأول لأرضنا، ووسادةُ الإنسان الأولى. الحجر الذي لم يتوقف الإنسان عن ترميزه والإصغاء إلى جوابه. * بِنتُ هذا التاريخ هي منى السعودي، بنت الأوابد وسلالة الفرسان. صحيح أنّ المنحوتة عندها تأخذنا إلى القيم المعاصرة، لكنها تستبطن الأحوال والقيم العريقة. * هل الشعر، الذي اختلج في قلب منى، يافعةً، هو ما تلَقّى فتنةَ الحجر، ابنِ الزمان المديد؟ * كم في أعمال منى من منحوتات، الإنسانُ فيها (المرأة خاصّةً) يحتضن الحجر، أو الحجر يحتضن الإنسان جنيناً وطيفاً (منحوتة امرأة نهر مثلاً). الكرة – الجنين – الممكن – الحلم، جميعها حاضرة : حاضرة جسداً أو علاقةً أو معنى، حاضرة غياباً وشوقاً. * بين حضن الحجر وحضن الإنسان يتنزّه خيال منى السعودي، يقرأ الأزمنة أو يكتب الأشواق الكونيّة. * أعمال منى السعودي ليست مجرّد أشكال، بل هي كذلك حالات، هويات، وأشواق... هذه الدائرة المفرغة في الوسط أليست حضوراً ينادي الغائب؟ أليست وعداً يقول الحضور؟ أليست جنيناً منتظَراً؟ زمناً مرتَقَباً ؟ سرّاً يَعِد بالإفصاح؟ * عناوين منى مستقاة من الأحوال لا من الأشكال. وتغلب عليها المعاني الكونية: «أمزجة الأرض»، «شروق الشمس»، «كسوف القمر»، «المرأة النهر». * منى تقول: «حين تفقد الحجارة أوزانها تصير قصائد». ويمكننا أن نضيف: حين تدخل الحجارة في الحركة وتنطق بالمعنى تتجلّى قصائد. * تتميّز أعمال منى السعودي بالقوة والحضور المستقرّ للحجر. بعلاقة مع القاعدة – الأرض تعلن خصوصيتها وطمأنينتها. * هذا الحجر الذي يفرض معانيه يمضي في الانزلاق نحو حضور أسطوريّ، ونحو تاريخ الأخوّة والاحتضان المتبادَل بين الإنسان والحجر: فالإنسان كتب تاريخ الحجر(...). الحجر احتضن أحلام الإنسان وجسّدها لتتحدّى الزّمن وتحاور الآتين. * بين منى والحجر علاقة أمومية: بيدها تأخذ الصخر إلى شكله وتولد الفلذة الإبداعية. إذ لسيرورة العمل عند منى أهمّية كبيرة هي سيرورة المعنى وتجلّياته. * لا شخوص عند منى أو مشخّصات، بل أحوال ومعان... ففي أعمال منى السعودي، وعِبْرَ الخلفيّات تحضر الرّموز وتحضر الدائرة الساحرة التي لخّصت رؤية الإنسان للكون. * كتبت الناقدة خالدة سعيد هذه الكلمة في مناسبة المعرض الذي تقيمه النحاتة منى السعودي في متحف الشارقة للفنون.