لا أعرف مَن مِنا ضلّ طريقه. توقفت بل تجمّدت مفاوضات فض شراكة تجاوز عمرها ربع قرن. لم يذكر شيء عنهم في العقد. كنا لا ندرك أن للأشياء المبهمة نهاية، على رغم وهج البدايات. في المراحل كافة التي كنا نصعد فيها السلم من المستوى الأرضي مروراً بالمستوى الأول ونهاية بالمستوى الثالث، لم نكن نفكر معاً، بل الحقيقة أننا لم نكن نصعد أو نهبط معاً، كما لو كان وضعاً اضطرارياً. قبل الشروع في فض الشركة، لا أحد كان مهتماً بالقطع الثلاث، ولولا حرصي على نظافتها لافترشها الغبار وأطفأ لمعانها. سيف صغير طلي بماء الذهب ومغطى بجراب من جلد أفعى، ومعلّق بركن على الحائط، خلف مكتبنا، وهرم كبير مصنوع مِن خليط مِن المعادن، وفنجان من الخزف طلي أيضاً بماء الذهب. لا أذكر على وجه التحديد مَن أهداها لنا، كما لا أذكر أيضاً متى؛ لكني متيقن من أن ذاكرتي تستطيع أن تجزم بأنني خلال العام المنصرم، استخدمت الفنجان في احتساء القهوة. القهوة بالنسبة لي هي الحياة ودونها الموت، ليس من باب الإدمان أو الاعتياد ولكن لأن من دونها أصير كائناً غير عاقل، أو مخلوقاً لا يتطور ولا يتقدم. عام كامل وشريكي لا يلاحظ ذلك ولم يكن يعنيه، فلماذا الآن يهتم بالقطع الثلاث، ويصر على التفاوض بشأنها. بسلاسة وانسيابية ومرونة، انتهينا وتوافقنا على كل شيء، وبقيت القطع الثلاث عائقاً أمام إنهاء الشراكة. لم تكن تهتم بأخذ صور لها معي، بقدر اهتمامها بالتقاط الصور وهي بجوار الهرم، وكانت تصر على احتساء قهوتها في الفنجان نفسه، وفي الأيام الأخيرة وافقت على اقتراحي بأن نتشارك فيه، ولأننا لم نكن نكتفي بفنجان واحد، كنت أطلب من الساعي، عند وصولها أن يترك لي إعداد القهوة وقت وجودها بطريقتي الخاصة، اتفقنا على أن مَن يشعل السيجارة أولاً يحتسي النصف الأخير من فنجان القهوة. قبل أسبوع من المفاوضات، كانت زيارتها الأخيرة، فوجئت بالتقاطها الصور مع السيف فقط، وكانت بمزاح مصطنع تبعدني قليلاً حتي لا أظهر في الصورة، أهملت الهرم تماماً، وانصرفت سريعاً، لم تدخن ولم تشرب القهوة. المستشار القانوني للشركة، أعلن تجميد المفاوضات حتى ننتهي من الاتفاق، متعللاً أنه لم يجد حلاً قانونياً أو شرعياً لهذه المسألة! خرجت على أثرها لا أعرف أين أتجه، غير أني وجدت نفسي مستظلاً بشجرة صفصاف على رأس حقل من الزهور، ورجل طاعن في السن، يحثني على الراحة. في غفوتي رأيتُ السيف وقد تحوّل إلى حيّة رقطاء، تبخ سمها في الفنجان الذي أصبح في حجم خزان المياه، والناس يخرجون من الهرم مسرعين نحوه ليشربوا. وقبل أن تتلوى أمعاؤهم من أثر السم، نهضتُ، فوجدتُني على الطريق الدائري مرة أخرى، أتصل بالمستشار لأقول له: أوافق أن يأخذ الشريك ثلاث قطع.