"أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    ألكساندر أرنولد : ليفربول سيبذل قصارى جهده لإنهاء الموسم بشكل جيد    محترف العين: طعم الانتصار على الهلال لا يُوصف    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    الزبادي ينظم ضغط الدم ويحمي من السكري    ثلث أطفال بريطانيا بين سن الخامسة والسابعة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي    زيدان يقترب من تدريب بايرن    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسبب المرض    «CIA» تحذّر: أوكرانيا مهددة بخسارة الحرب    بعد الفيتو الأمريكي.. استياء عربي لرفض عضوية فلسطين في الأمم المتحدة    موعد مباراة السعودية وتايلاند اليوم    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    رسالة من كاراسكو لجماهير الشباب بعد الفوز على أبها    السينما في السعودية.. الإيرادات تتجاوز 3.7 مليار ريال.. وبيع 61 مليون تذكرة    خطيب الحرم المكي يوصى المسلمين بتقوى الله وعبادته والتقرب إليه    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    خطيب المسجد النبوي: أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله تعالى    الشاب محمد حرب يرزق بمولوده الأول    أمين مجلس التعاون : عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية يعتبر خطوة للوراء في جهود تحقيق السلام    أمانة حائل تواصل أعمالها الميدانية لمعالجة التشوه البصري    "العقعق".. جهود ترفض انقراض طائر عسير الشارد    قطار "الرياض الخضراء" في ثامن محطاته    مسح أثري شامل ل"محمية المؤسس"    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    الطقس: أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    يوتيوب تختبر التفاعل مع المحتوى ب"الذكاء"    فوائد بذور البطيخ الصحية    هيئة التراث ‏تقيم فعالية تزامناً اليوم العالمي للتراث بمنطقة نجران    «استمطار السحب»: 415 رحلة استهدفت 6 مناطق العام الماضي    أقوال وإيحاءات فاضحة !    «المظالم»: 67 ألف جلسة قضائية رقمية عقدت خلال الربع الأول من العام الحالي    الطائي يصارع الهبوط    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    الفقر يؤثر على الصحة العقلية    مجلس جامعة جازان يعيد نظام الفصلين الدراسيين من العام القادم    الاحمدي يكتب.. العمادة الرياضية.. وحداوية    سلطان البازعي:"الأوبرا" تمثل مرحلة جديدة للثقافة السعودية    "أيوفي" تعقد جلسة استماع بشأن معايير الحوكمة    مصر تأسف لعدم منح عضوية كاملة للفلسطينيين في الأمم المتحدة    أمير الرياض يعتمد أسماء الفائزين بجائزة فيصل بن بندر للتميز والإبداع    تَضاعُف حجم الاستثمار في الشركات الناشئة 21 مرة    المستقبل سعودي    فيصل بن تركي وأيام النصر    في حب مكة !    اليحيى يتفقد سير العمل بجوازات مطار البحر الأحمر الدولي    الجامعات وتأهيل المحامين لسوق العمل    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    شقة الزوجية !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن لمجموعة ماركسية - لينينية أن تبني دولة ديموقراطية حديثة ؟
نشر في الحياة يوم 23 - 02 - 2018

عشية الذكرى العاشرة لاستقلال كوسوفو صدر في بريشتينا كتاب الناشر والكاتب الكوسوفي فيتون سوروي بعنوان «الغوريلات التي لم نرها»، الذي أصبح أكثر الكتب مبيعاً في كوسوفو خلال 2017 . تتميز مؤلفات سوروي بجرعة قوية من النقد لما آلت إليه الحال في كوسوفو بعد كل الطموحات والتضحيات التي قدّمها جيله في سبيل التحرر وبناء دولة ديموقراطية حديثة. ومن ناحية أخرى تعكس مؤلفاته ثقافة المدينة. ولد الكاتب في بريزرن عاصمة كوسوفو الأولى، لكاتب وسفير جال العالم وأفسح لابنه تعلم لغات عدة واكتساب ثقافة أدبية وسياسية رفيعة، في مواجهة ترييف المدينة مع تدفق أبناء الريف تحت مسمى «جيش تحرير كوسوفو» الذين فرضوا قيمهم وثقافتهم وسيطرتهم على مفاصل الدولة الجديدة بحجة قيامهم ب «تحرير كوسوفو من الحكم الصربي». في هذا الكتاب، يفكّك سوروي أسطورة «جيش تحرير كوسوفو» بالعودة إلى بنيته الأساسية التي تمثلت في مجموعات ماركسية- لينينية قومية استلهمت نظام أنور خوجا في ألبانيا وحظيت بدعم جهاز المخابرات الألباني المعروف (سيغوريمي) لكي تطالب أولاً ب «جمهورية ألبانية اشتراكية في يوغسلافيا» ثم باستقلال «جمهورية كوسوفو» لكي تنضم لاحقاً إلى ألبانيا وتحقق الطموح الألباني (ألبانيا الكبرى).
البدايات
في 17 شباط (فبراير) 1982 (اليوم الذي أعلن فيه استقلال كوسوفو في 2008) اتحدت منظمتان ماركسيتان- لينينيتان لتعلنا في حضور السفير الألباني في أنقرة عن تأسيس «الحركة لأجل الجمهورية الألبانية الاشتراكية في يوغسلافيا» التي غيّرت اسمها مرات عدة، وصولاً إلى «الحركة الشعبية لكوسوفو» التي انبثق عنها بعد حرب 1999 وتحرر كوسوفو من الحكم الصربي «الحزب الديموقراطي الكوسوفي» برئاسة هاشم ثاتشي (ولد عام 1968 وتخرج من قسم التاريخ في جامعة بريشتينا ثم لجأ إلى سويسرا في 1993).
ومن المفارقات أن سويسرا الديموقراطية القائمة على التعايش بين مختلف المكونات جمعت في تسعينات القرن الماضي شباب هذه المنظمة الماركسية- اللينينية (الحركة الشعبية لكوسوفو) الذين شاركوا لاحقاً في تأسيس «جيش تحرير كوسوفو» الذي انبثق عنه أكثر من حزب سياسي في الظاهر («الحزب الديموقراطي» برئاسة هاشم ثاتشي و»التحالف لأجل مستقبل كوسوفو» برئاسة راموش خير الدين و»المبادرة لأجل كوسوفو» برئاسة فاتمير ليما)، ولكن المجموعة التي انسجمت مع بعضها شكلت «العصبة السويسرية» وأصبحت لاحقاً تسيطر على مفاصل الدولة الحالية في كوسوفو (رئيس الجمهورية هاشم ثاتشي، رئيس البرلمان قدري فيصلي، نائب رئيس البرلمان جاويد خليلي، رئيس الحكومة راموش خير الدين وغيرهم).
يحاول سوروي بمقاربة جديدة تحليل كيفية سيطرة «العصبة السويسرية» على مفاصل الدولة بالاستناد إلى «الثقافة» الماركسية– اللينينية القديمة. فقد حددت الأممية الثالثة في 12/7/1921 هدفاً للأحزاب الماركسية- اللينينية أن «تطور ذاتها كمنظمة عسكرية» لكي تستولي على السلطة ، وهو ما قامت به «العصبة السويسرية» من خلال «جيش تحرير كوسوفو».
ولكن المشكلة كانت التوفيق بين «الثقافة» الماركسية– اللينينية القديمة ومتطلبات وشكليات الدولة الديموقراطية الحديثة. وقد قامت «العصبة السويسرية» بالسيطرة التدريجية على مفاصل الدولة من حتى انتهى الأمر إلى دولتين: دولة من الباطن يديرها أعضاء «العصبة السويسرية»، ودولة في الظاهر تديرها المؤسسات الديموقراطية (الدستور والبرلمان والحكومة).
من «العصبة السويسرية» إلى «عصابة برونتو»
كانت «العصبة السويسرية» تضم شخصيات تنوعت مصالحها وتوزعت سياسيا إلى أكثر من حزب (رئيس الجمهورية هاشم ثاتشي رئيس «الحزب الديموقراطي» ورئيس الحكومة راموش خير الدين رئيس «التحالف لأجل مستقبل كوسوفو») ولكن بقيت تستمد شرعيتها من «العمل المسلح» في مواجهة «العمل المدني» الذي كان يمثله ابراهيم روغوفا وحزبه «الرابطة الديموقراطية الكوسوفية». ومع مرور السنوات نشأت «عصابة برونتو» التي يحللها المؤلف بالاستناد إلى «الثقافة» الماركسية- اللينينية القديمة لأصحابها.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا المصطلح («عصابة برونتو» أو «مافيا برونتو») برز لأول مرة في 2014 حين كشفت الصحيفة الكوسوفية الأولى «كوها ديتوره» عن تنصت أجهزة الأمن التابعة ل «البعثة الأوروبية للأمن وحكم القانون» (الأولكس) على المكالمات الهاتفية لأعضاء «العصبة السويسرية» من «الحزب الديوقراطي» ، وبالتحديد بين رئيس الحزب ورئيس الحكومة هاشم ثاتشي وبين رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الديموقراطي في البرلمان آدم غرابوفتسي.
في هذه المكالمات، وفق المؤلف، تبرز «الثقافة» الماركسية- اللينينية القديمة في تسيير دولة ما تحت الأرض وفق «تراتبية الكوادر» وليس وفق المناصب التي يشغلها أصحابها في الدولة الديموقراطية الظاهرة. فمع أن غرابوفتسي كان من أعضاء «العصبة السويسرية» إلا أنه بمفهوم الكادر كان أدنى من هاشم ثاتشي ، ولذلك كان يقول لثاتشي في المكالمات «أنت من يقرّر وأنا من ينفذ». ومن ناحية أخرى، يظهر في المكالمات أشخاص لهم مكانتهم في تراتبية الكوادر دون أي يكون لهم أي منصب في الدولة الديموقراطية الظاهرة، ومع ذلك فهم يشاركون في اتخاذ القرارات المهمة خلال المكالمات الهاتفية، التي تنفذ لاحقاً من خلال «المؤسسات الديموقراطية». ومن هؤلاء يبرز مثلاً قدري فيصلي، من أعضاء «العصبة السويسرية» الذي أصبح في 1998 رئيس جهاز المخابرات في «جيش تحرير كوسوفو» وبقي كذلك بعد أن تحول هذا الجيش إلى «الحزب الديموقراطي الكوسوفي».
مع أن فيصلي لم يكن له أي منصب إلا أنه ككادر له أهميته، كان يشارك في اتخاذ القرارات خلال المكالمات الهاتفية مع هاشم ثاتشي وآدم غرابوفتسي. وفي هذه المكالمات كان يتم الاتفاق واتخاذ القرار حول مضمون مشروع قانون قبل إحالته إلى البرلمان، واختيار شخصيات على رأس المؤسسات المهمة في الدولة والمجتمع، بمن فيهم رئيس جامعة بريشتينا موي روغوفا، ثم يتم لاحقاً «انتخاب» هؤلاء في المجالس المخصصة لذلك. ومن الطبيعي أن ولاء هؤلاء الأشخاص يكون في الدرجة الأولى لمن اختارهم وليس لمن انتخبهم. ومع أن «بعثة الاتحاد الأوروبي للأمن وحكم القانون»(الاولكس) سرّبت في 2016 للصحافة مجموعة أخرى من المكالمات بين ثاتشي وغرابوفتس وفيصلي وغيرهم إلا أن ما تضمنته من فضائح لم يؤد سوى إلى استقالة آدم غرابوفتسي، أي من دون أن يحال إلى النائب العام نظراً إلى ما ورد من تجاوزات خطيرة تنتهك مؤسسات الدولة الديموقراطية.
تفسير ذلك وفق المؤلف أن المجتمع الكوسوفي شُغل بجزئيات المشهد ولذلك فاتته ملاحظة مثل هذه «الغوريلات». فالمؤلف يستند في ذلك إلى تجربة أجراها عالمان أميركيان كلفا مجموعتين من الطلبة بمتابعة مباراة كرة سلة وطلبا منهم متابعة تسجيل الأهداف. ولكن في غضون المباراة مرّرا غوريلا في ساحة الملعب، ولما سألا الطلبة عن الأهداف كانت الإجابات متطابقة، ولكن عندما سألوهم عن رؤيتهم لغوريلا وسط الملعب أنكر الطلاب أن يكونوا قد شاهدوا أي غوريلا. ومن هنا جاء العنوان الذي اختاره لكتابه «الغوريلات التي لم نرها».
كتاب سوروي يأتي في وقته بعد أن تشكلت المحكمة الدولية لجرائم الحرب في كوسوفو خلال 1998-2000، إذ إن هذه «الغوريلات» حاولت في الأيام الأخيرة من سنة 2017 القيام بحركة انقلاب لإلغاء القانون المفروض على كوسوفو لأجل التملص من ولاية المحكمة على كوسوفو، لكن المحاولة فشلت والآن تتجه الأنظار إلى لاهاي التي ستعلن قريبا عن أول قائمة بالمتهمين التي ستتضمن بعض هذه «الغوريلات» بالاستناد إلى مبدأ الصدمات المتتابعة، أي أن القائمة/ الصدمة الأولى ستفتح الطريق للقوائم/ الصدمات التالية للتخلّص من هذه الغوريلات التي أفرغت الدولة الديموقراطية الحديثة من مضمونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.