مع تقدم العمر وشتائه تتجعّد البشرة ويبيض الشعر ويحصل الصلع وتصفرّ الأسنان وتتساقط، وتغور العينان ويخفت النظر وتكبر الأذنان وتقصر القامة ويبرز الكرش، وغير ذلك من التغيرات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا في شأن الأعضاء الداخلية؟ ينشغل البال بشيخوخة المظهر، لكن نادراً ما نكترث بالتبدلات الطارئة التي تصيب الأعضاء الداخلية، فهي أيضاً تشيخ وتحصل فيها تغيرات تبدأ في أوقات مختلفة من العمر، وتتباين من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر. هنا عرض لرحلة الشيخوخة في أهم الأعضاء الداخلية للجسم: - الرئتان، تبدأ الشيخوخة في خلايا الرئتين في أواخر العشرينات من العمر، لكن عوارضها الحقيقية لا تظهر بشكل واضح إلا بحلول العقد السادس أو السابع من العمر. - القلب، تزحف الشيخوخة إلى القلب في العقد الرابع، وتبرز معالمها أكثر فأكثر مع التقدم في العمر، من هنا زيادة احتمال الإصابة بالأزمات القلبية. - الدماغ، تحل الشيخوخة على الدماغ اعتباراً من نهاية العشرينات أو في أوائل الثلاثينات، إذ يتراجع عدد الخلايا العصبية الدماغية تدريجياً وبوتيرة بطيئة نسبياً حتى بلوغ الثمانينات. كما يتراجع مستوى النواقل العصبية التي تتولى عملية التواصل بين مراكز المخ المختلفة، ما يترك تداعيات على الوظائف العقلية، خصوصاً على صعيد الذاكرة والتفكير والتعلم. - الكبد، وهو العضو الوحيد في الجسم الذي يستطيع الصمود أمام الشيخوخة، التي تهاجم خلايا الكبد في سن السبعين وما فوق فتبدأ وظائفه بالتراجع لكنها تظل كافية لمواصلة الحياة. - المعدة والأمعاء، وتبدأ الشيخوخة فيهما اعتباراً من الخامسة والخمسين، والشيء البارز الذي يحصل في الأمعاء هو تبدّل في البنية الميكروبية، إذ يبدأ العد التنازلي للبكتيريا المفيدة، خصوصاً في الأمعاء الغليظة، ما يزيد من احتمالات الإصابة ببعض المشاكل الهضمية. - الكليتان، وتجد الشيخوخة طريقها إليهما في أواخر العقد الرابع، إذ تضعف قدرة وحدات الترشيح المتخصصة فيهما على تصفية المواد وإزالة النفايات والسموم. - العضلات، وتتسلل الشيخوخة إليها اعتباراً من سن الخامسة والثلاثين، إذ تطغى عملية الهدم على عملية البناء ما يعرّض لفقدان الكتلة العضلية بنسبة تراوح من نصف إلى إثنين في المئة سنوياً، وتؤدي هذه الخسارة في الكتلة العضلية مع مرور الوقت إلى ضياع القوة العضلية فيصبح الشخص معرضاً أكثر لمشاكل السقوط والإصابة بالكسور. وتعتبر خسارة الكتلة العضلية من أكبر التحديات التي يواجهها المتقدمون في السن. - العظام والمفاصل. وتبدأ الشيخوخة في النسيج العظمي في منتصف الأربعينات، إذ تتراجع الكثافة العظمية رويداً رويداً ما يجعل العظام هشة طرية وقابلة للكسر بسهولة. أما المفاصل فتشهد تراجعاً في المادة الزيتية المسؤولة عن تسهيل حركتها بدءاً من سن الأربعين، ويؤدي هذا الأمر إلى احتكاك أجزاء المفصل ببعضها بعضاً فيحدث مرض الخشونة الذي يشاهد لدى النساء أكثر من الرجال. - المثانة، وتبدأ الشيخوخة فيها في وقت متأخر نسبياً، أي في العقد السادس، وتتسبب في تراجع سعة المثانة إلى مقدار النصف عما كانت عليه في سنوات الشباب، ولهذا يزداد عدد مرات التبول وتظهر صعوبات على صعيد القدرة على التحكّم بعملية التبوّل. - الجهاز التناسلي، وتتراجع الخصوبة عند النساء اعتباراً من الخامسة والثلاثين، إذ يتدهور عدد البويضات وتغدو بطانة الرحم أكثر رقة. أما الخصوبة عند الرجال فتشهد تراجعاً اعتباراً من سن الأربعين، إذ ينخفض عدد الحيوانات المنوية وكفاءتها. - الشرايين التي تجلب الدم إلى مختلف الأعضاء محملاً بالهواء والماء والغذاء، لا تسلم من مخالب الشيخوخة، فالتقدم في السن يؤدي إلى إصابتها بالتصلب والقساوة نتيجة تراكم والتصاق بعض الدهون والبروتينات الشحمية على بطانتها الداخلية، فتتحول الشرايين من أنابيب لينة وطرية ومطواعة، إلى أنابيب قاسية، ما ينعكس سلباً على الأعضاء التي تتغذى عليها، فأي تباطؤ أو توقف في تدفق الدم في شريان ما يمكن أن يشكل خطورة فعلية على العضو أو النسيج الذي يموله هذا الشريان. إن إصابة الشرايين بالقساوة تعرّض الأعضاء الداخلية لاضطرابات ومضاعفات ربما تعجل من استحقاق إصابتها بالشيخوخة، من هنا يجب أن نولي الاهتمام بالشرايين باكراً ما أمكن لإبعاد العوامل التي تعجّل بإصابتها بالتصلّب، مثل ارتفاع مستوى الكوليسترول والشحوم الثلاثية في الدم وارتفاع ضغط الدم والتدخين بكل أشكاله، والوزن الزائد وقلة الحركة والشدة النفسية والداء السكري. تبقى كلمة أخيرة، وهي أن البناء الهرموني يختلف بين النساء والرجال، وهو يؤثر على وتيرة الشيخوخة التي تكون أسرع عند المرأة منها عند الرجل.