وقف صاحب محل حلويات في شارع شبرا في حيرة من أمره. تارة يضع «بابا نويل» داخل المحل لئلا يراه أحد، وأخرى يعيده إلى خارجه، حيث تباغت ابتساماته العريضة القادم والذاهب، وثالثة يضعه «بين بينين». ويقول الرجل بصوت جهوري ملؤه الغضب: «لست خائفاً. أنا فقط لست متأكداً، هل نمضي قدماً في الأجواء الاحتفالية؟ أم نتشح بالسواد؟ أم نبقى «بين بينين»؟، لافتاً إلى أن حال «النصف نصف» هذه محيرة حقاً». لكن ما لا يعلمه صاحب المحل، أن حال «النصف نصف» هي سمة مصر والمصريين مع عام يلملم متعلقاته بثقل شديد وإرهاب سخيف يستعد لبسط قواعده وفرض حوادثه وأحداثه. فيديو «الإرهابي» المتجول في حلوان، فجَّر حالاً من «النصف نصف» بين ملايين المصريين، وسط صدمة العملية الإرهابية ووقوع ضحايا وما يعنيه ذلك من استمرار أكيد لخطر الإرهاب، وهو شكّل صدمة إيجابية ودهشة مبهجة لرد فعل شعبي لمواجهة الإرهاب والإرهابي. مشهد فانتازي لا يليق إلا بسينما الخيال غير العلمي، لكن المبهج أنه واقع من أرض المعركة في حلوان، حيث حصلت العملية الإرهابية الخسيسة. هناك، ثمّة قاعدة شعبية جميلة ليست إلا رمزاً لمصر الكبيرة، مصر التي تودع عام 2017 وهي «بين بينين». بين تفاؤل حذر بالمشاريع الكبرى والعاصمة الجديدة والطرق المتشعبة وقلق وجل من ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة الحكومية وتلميحات بمزيد من الزيادات، وتأكيدات رسمية على تسخير الرجال والعتاد لحماية البلاد من عمليات إرهابية تضرب تارة في سيناء وتارة في القاهرة، وبين حديث عن تجديد الخطاب ومواجهة التطرف والظلام من جهة، وقانون ولجان دينية تبحث في سبل مكافحة الإلحاد ومواجهة المثلية ومجابهة سراويل الجينز المقطّعة. هكذا، يستقبل المصريون العام الجديد بنصف مشاعر فرحة ونصف مشاعر تعسة. الظرف التاريخي الذي مرّت به مصر نهاية عام 2017، دفع المصريين إلى عام الأمنيات المهزوزة. يقول سائق أجرة إنه يتمنى عاماً جديداً من الراحة الاقتصادية والبحبوحة المعيشية، لكنه يستدرك بسرعة ويقول: «لكن الأولوية للأمن ومواجهة الإرهاب. نحاول أن نصبر أكثر. لكن، للصبر حدود كما أكدت الست (أم كلثوم)». ويبدو أن الصبر المصري غير قابل للنفاد مع الإرهاب، ولائحة الأمنيات التي لا ترسو على حال أو تثبت على أولويات تحوم في الأجواء المصرية في وداع عام واستقبال آخر. أما «بابا نويل»، فانتهى به المقام جالساً على بوابة المحل، فلا هو مبتهج، ولا هو بائس.