قدمت الناشطة السورية المعارضة أمل نصر تجربة اعتقالها على خشبة المسرح في مدينة بازل السويسرية أول من أمس. وهي إذ تقف للمرة الأولى ممثلةً أمام الجمهور روت مرارة اعتقال تعرضت له على يد النظام السوري في عام 2014، ونقلت شيئاً من العذابات التي تعيشها النساء السوريات في المعتقلات، وغالبيتهن، كما تقول، مجرد رهائن عن أزواج وأبناء وأقارب، من دون أي ذنب. نصر تعيش لاجئة في سويسرا التي وصلتْ إليها بعد خروجها من دمشق إثر الإفراج عنها واستمرار محاكمتها طليقة، كما تعمل مع منظمة العفو الدولية «Amnesty» فتلقي محاضرات في الجامعات السويسرية تحكي فيها حال السوريين. ومن هنا انطلقت شرارة مسرحيتها التي حملت اسم «زنزانة رقم 1»، كما روت ل «الحياة»، فقد طلبت منها المنظمة الدولية أن تعرض جزءاً من حكايتها الشخصية في المعتقل، وكذلك أسباب اعتقالها. «هكذا صرت أحكي تجربتي، كما أعرض رسائل كتبتْها سجينات أخريات بأنفسهن...»، تقول نصر وتوضح بداية التجربة: «ذات مرة عرضتُ على المنظمة أن نقدم شيئاً خاصاً في مناسبة «اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة»، كان ذلك بحضور المترجمة (صدف أنها طالبة المسرح المغربية سلمى لغروني) التي تأثرت بحكايتي وطلبت مني أن أكتبها من أجل تقديمها على خشبة المسرح». وعما إذا كانت تلقت تدريبات من أجل مسرحيتها، قالت نصر: «لم أتلق أي دروس مسرحية بسبب محدودية الإمكانات، ولأنني خضت التجربة ليس فقط ككاتبة، بل كحياة واقعية زودتني بكل الحركات والانفعالات، لم يكن لديّ أي قلق أو خوف من الفشل». هكذا قدم العمل في جنيف للمرة الأولى في 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، في قبو تحت الأرض لا على خشبة مسرح. كما قدم منذ يومين على الخشبة. وبعد أداء عرضين من «زنزانة رقم واحد» تقول الناشطة السياسية السورية: «لم أشعر بأنني ممثلة، فقد كنت أقدم آلامي وتجربتي، لا آلام شخصية أخرى». وتضيف: «أتأرجح بين أحاسيس السعادة بالنجاح الذي استطعت الحصول عليه كممثلة، خصوصاً بآراء متفرجين اعتقدوا أنني ممثلة أصلاً، وإحساس القهر الذي أستذكره ويستنهض بي كل مرة من ذكريات العنف والمرارة مع أولئك النساء اللواتي ما زال الكثير منهن في المعتقلات». تروي نصر في العرض «كيف اعتُقلت في الطريق من قبل أربعة مسلحين، ثم كيف زجت في سيارة مدنية مع زوجها (الناشط المعروف عدنان الدبس)، وكان اعتُقل من مكان آخر، وجرى تكبيلهما معاً بالقيود، ليزج كل منهما في زنزانة من دون أن يعرفا شيئاً عن مصير ابنتهما الوحيدة». تُصدم نصر بمشهد بنت بعمر ابنتها معلّقة في أقبية فرع الاستخبارات الذي اقتيدت إليه، وهو ما أشعل القلق في صدرها. هكذا تدخل شخصية ابنتها الفعلية في العرض المسرحي، فتظهر عبر فيديو مصور تؤدي رقصة برفقة الموسيقى. تقول نصر: «لقد وُضعت في زنزانة (متران بمتر ونصف) مع اثنتي عشرة امرأة أصغرهن في الثالثة عشرة من عمرها، وأكبرهن في السادسة والثمانين، وكلهن كنّ مجرد رهائن». وتضيف: «لاحقاً سأكون في سجن عدرا مع 800 امرأة كلهن رهائن عدا خمس نساء فقط». وإذ تتحدث نصر عن فظاعة السجن ترفض أن تعرض قصص العنف على المسرح، ومن بينها قصص الاغتصاب، تقول إن «العنف لا يقنع، لقد لاحظت من تجربة العيش في أوروبا أن قصص الدم لا تقنعهم». وتضيف: «الأهم أن نعرض الأسباب والحجج. نحن ذهبنا أبعد حين تحدثنا عن الديكتاتورية كسبب رئيسي لكل ما يحدث في بلادنا». ولدى سؤالها إن كانت تعتبر أن الاغتصاب ممنهج بالفعل، وإن كانت شاهدة أو قريبة من قصص الاغتصاب أجابت نصر: «بالتأكيد كان ممنهجاً، الطريقة والكيفية التي حدثت بها الاغتصابات تثبت أنه كان مبرمجاً تماماً». وأضافت: «أنا وثقت حالات اغتصاب لنساء كنّ معي في سجن عدرا. وقبل ذلك، أثناء عملي بالإغاثة ومساعدة النازحين علاجياً، ساعدنا نساء كنّ قد اغتصبن على الحواجز، أثناء الاقتياد إلى المعتقلات، في السيارات، في فروع «الجيش الشعبي»، وسواها». أما في الجزء الثاني من مسرحيتها فهي تحكي، كما تروي ل «الحياة»، فرحة خروجها من السجن، ولكن مع خوف وخطر الاعتقال من جديد مع زوجها. تسرد آلام العائلة وقد بات كل منها في بلد، وتختم بأغنية تروي حلمها وهي صغيرة أن تقف ممثلة على خشبة المسرح، وحلمها، بالسلام لسورية، «فعلى رغم كل هذا القهر نحن نريد سلاماً لبلدنا، في وقت تحاول الميديا أن تثبت أننا إرهابيون».