بدأت التحذيرات تتنادى منذ وقت مبكر عن حال مطرية غير مسبوقة، والخوف يتردد في نفوس أهالي مدينة جدة من تكرار مأساة السيول التي تعود الى عام 2009، على رغم المشاريع العملاقة التي أنجزت لدرء مخاطر السيول وتجمعات الأمطار، ولكن الثقة تبددت أمام المشاهد والصور التي تناقلتها شبكات التواصل الاجتماعي ليلة البارحة، وكشفت عن جوانب كثيرة من قصور تلك المشاريع وظهرت جدة غير مستعدة لاستقبال ضيفها. كانت مدينة جدة تعتقد أن كارثة السيول صفحة طويت منذ أقرّ مشروع تصريف مياه الأمطار والسيول، وتشكيل لجنة محاسبة المسؤولين عن الكارثة، ولكن إعلان اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إعادة التحقيق في ملف فساد كارثة سيولجدة بأثر رجعي جدّد المخاوف عن قيمة تلك الوعود التي أطلقت بشأن المشاريع وجديتها في ردّ المخاطر المحدقة بالمدينة لحظة أي طارئ قد تنذر به الأيام. ووقع المحظور إذ كانت مدينة جدة على موعد لتكرار الذكرى البائسة التي حلّت بها عندما تعرضت لكارثة سيولجدة عام 2009 بعد حال مطرية غير مسبوقة، كشفت فيها عن ضعف قدرة المدينة على احتمال نسب المطر العالية، وتمخّضت الكارثة حينها عن مصرع 116 شخصاً وأكثر من 350 اعتبروا في عداد المفقودين، وعن تصميم على محاسبة المقصرين ومتابعة المتسببين في وقوع الكارثة بعد أن اجتاحت السيولالمدينة وتسببت في خسائر مادية وبشرية بالغة. ذكرى واحدة من أكبر الكوارث الطبيعية التي ضربت المملكة لم تتكرر بحذافيرها إذ ساعدت الإجراءات الاحترازية المبكرة بتعليق الدراسة عن منع تدفق قرابة مليوني طالب في جدة من مواجهته، ولكن مشاهد الشوارع والكباري وهي غارقة بالمياه وحالات الاحتجاز والإنقاذ التي وثقتها مقاطع الفيديو وعدسات الكاميرات نكأت جرح الخميس 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 الذي لم ينس عندما امتلأت بعض الطرق بالمياه ووصل ارتفاعها إلى متر وأكثر، وغرق العديد من الضحايا داخل سياراتهم، وبحسب التقديرات السعودية الرسمية فإن 3000 سيارة تضررت من هذه السيول، إضافة إلى خسائر في البنية التحتية السعودية، قدرت بملايين الريالات. ووجهت انتقادات واسعة حينها بسبب سوء إعداد البنية التحتية وعدم جاهزية مصارف السيول، واتهم المسؤولون بعدم الاستجابة السريعة للتعامل مع الكارثة الطبيعية، وكان رد الفعل لمعاقبة المتسببين والإسراع في إقرار المشاريع الخاصة بدرء مخاطر السيول وتجمعات الأمطار يرضي مشاعر أهالي المدينة، وربما نجحت في الحد من المخاطر الكارثية لما يتوقع أن يحدث بسبب كثافة انهمار الأمطار، ولكن مشهد غرق الشوارع ما سجّله الدفاع المدني من عمليات احتجاز في أحياء بشمال جدة أعاد النقاش إلى الدائرة الأولى للبحث عن المتسبب والخلل. كان أمس أشبه باختبار حقيقي وجاد لنجاح مشاريع التصريف التي وعد بها مسؤولو الأمانات خلال السنوات الماضية، وحال الترقب على أشدها لمتابعة جدوى تلك المشاريع والوعود، ولكن وسائل التواصل ومجالس النقاش لا تؤشر إلى رضا عن النتائج وهي تتابع مقاطع الفيديو الصادمة لشوارع وأحياء جدة. بطبيعة الحال، تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى مقاصل لمحاسبة المقصرين، ومتابعة ظروف الموقف، والحث على حل جازم وحازم ينهي تكرار السؤال عن موعد لوقف هذا الارتباط غير السار بين المطر والخوف من الغرق. وأبدى مواطنون ومقيمون كعادتهم موقف المساند للجهات الأمنية لأداء واجباتها والتعامل مع الحالات الطارئة التي تنتج من غزارة الأمطار وانتشارها، وشارك متطوعون في دعم عمليات الإنقاذ وفك الاحتجاز عن المركبات والمنازل المحاطة بالماء.