يستضيف غاليري «تاون هاوس» في القاهرة حتى العاشر من كانون الثاني (يناير) المقبل، معرضاً للفنان أحمد شوقي تحت عنوان «مُنتَج يشبه قطعة فنية»، وهو عمل تجهيزي يشمل كتابات ونماذج من الرسوم بالأبيض والأسود وعناصر أخرى، إضافة إلى شريط فيديو قصير. يعيد العمل طرح كثير من التساؤلات حول آلية عرض الأعمال الفنية كأحد جوانب العملية الإبداعية. يتم تسليط الضوء هنا على تلك التفاصيل الهامشية المصاحبة لعملية العرض، وكيف أن هذه التفاصيل الهامشية قد تهيمن أحياناً على العرض ذاته، ما يحيلنا أيضاً إلى تساؤل أعمق حول ماهية الفن وطبيعة العملية الإبداعية في مجملها. «ذهبت وسط رفقة من المهووسين بالنقد والتنظير. كالعادة وقفنا مع الحضور أمام باب القصر الخشبي منتظرين قدوم سيارة الوزير أو من ينوب عنه. استمرت الوقفة قرابة النصف ساعة حتى تجاوز الانتظار وقت الافتتاح الرئيسي، إلى أن دخلت علينا سيارة سوداء معتم زجاجها تضرب نورها العالي في وجه الحضور، لكن بلا موكب واخترقت الجموع حتى استقرت أمام باب القصر الرئيسي... بدأت الجموع في التكتل والإقدام على الحركة قاصدين باب القصر الذي فُتح للتو، لنجد أنفسنا محجوزين أمام باب زجاجي آخر على بعد أمتار قليلة من الخشبي منتظرين أن يقص رئيس القطاع شريط الافتتاح. عبرنا هذا الممر الضيق في زمن بطيء ثم توقفنا خلف حائط من المصورين وحوامل الكاميرات». الفقرة السابقة هي جانب من نص ضمن ستة نصوص مصاحبة للعمل تتضمن انطباعات شخصية ومشاهدات لمراسم أو بروتوكولات مصاحبة لأحداث فنية في القاهرةوباريس والإسكندرية. تلتقط هذه المشاهدات جانباً من الزيف الذي ينطوي عليه أحياناً سياق العرض والمراسم المصاحبة له. وضعت هذه النصوص على حامل خشبي في مقدم العرض كتهيئة للمشاهد، وعلى الجدران المحيطة عرضت مجموعة من الأعمال المرسومة بالأبيض والأسود، دراسات سريعة بخامة الفحم على الورق لعناصر ومفردات مهملة بصرياً. هذه العناصر والمفردات المرسومة هي نتاج زيارة الفنان لأحد المتاحف في باريس، وضع خلالها دراسات سريعة لكل ما صادفه من عناصر بعيدة مِن المُنتَج الفني المعروض داخل المتحف، متجاوزاً الأعراف الأكاديمية المتبعة التي تفرض أحياناً على دارسي الفنون وضع دراسات للأعمال الفنية داخل المتاحف كجزء من العملية التعليمية. يضعنا هذا السلوك المتمرد الذي اتبعه شوقي في انتقاء عناصره المرسومة في مواجهة الفكرة العامة التي يطرحها العمل كلاً، والتي تدعونا إلى النظر والبحث في الجانب الآخر من عملية العرض، وملاحظة الحيز الذي تشغله التفاصيل الهامشية في هذه العملية برمتها. يمعن شوقي في تأكيد تلك التفاصيل الهامشية عبر مجموعة من المفردات الأخرى المكونة للعمل، فقد رتبت منصة تحاكي تلك المستخدمة في الندوات واللقاءات، وعلى منضدة قريبة وُضع مجسم لأيد ممسكة بالمقص المُستخدم في قطع شريط الافتتاح، وضعية الأيدي المتعاونة في حمل المقص تشي بحالة الاستعراض الرسمي المصاحبة لمراسم الافتتاح، بينما وُضعت على مقربة من المجسم منضدة رصت عليها عدد من البطاقات الصغيرة المصورة. حول المنضدة كتبت على الأرض عبارة مكررة كسياج محيط بالعمل تحذر الجمهور من الاقتراب منه. المسافة الضئيلة الفاصلة بين العمل والجمهور تحيلنا أيضاً إلى طبيعة التفاعل بين الجمهور والمنتج الفني والإبداعي في صورته المخملية التي يتم تكريسها. يجمع العرض كل تلك التفاصيل ويضعها أمام المشاهد كصدمة بصرية تتيح له اكتشاف الزيف الذي يشبه الحقيقة. حين نصل إلى شريط الفيديو نجد أنفسنا أمام محاكاة تمثيلية لافتتاح أحد العروض الفنية. رجل وامرأة مستغرقان في حديث جانبي في انتظار المسؤول الذي سيتولى افتتاح العرض، وما أن يأتي المسؤول الكبير حتى يستغرق ثلاثتهم في استعراض الأعمال المعروضة. تمعن الكاميرا عبر اللقطات القريبة في تتبع تعبيرات الأشخاص وردود أفعالهم وتعليقاتهم. في الزمن الذي يستغرقه عرض الشريط تطغى الكلمات الترحيبية المكررة والتعليقات المعادة التي تصف الأعمال المعروضة في رتابة آلية. العمل الفني هنا على رغم كونه بؤرة الحدث يبدو هامشياً، لا يتخذ حيزاً من المشهد الرتيب، والذي ينتهي أخيراً بلقطة غير مكتملة لمنصة مجهزة للحديث عن تلك الأعمال. «منتج يشبه قطعة فنية» هو عمل أنتج بدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) وهو المعرض الفردي الأول للفنان أحمد شوقي.