انطلق معرضٌ استعاديٌّ للرسام والناقد أسعد عرابي بعنوان «إطفاء الجمر في الصقيع» (غاليري أيّام - بيروت)، على أن يستمر حتى منتصف الشهر المقبل. ويأتي هذا المعرض بمثابة احتفال بالذكرى العاشرة لبداية التعاون مع «غاليري أيام» بمعارضها بين دبيوبيروتودمشقوجدة والقاهرة ولندن وباريس. تتعقب لوحات المعرض نماذج أسلوبية متباعدة، تجمعها حساسية مشرقية متمايزة ترتبط غالباً بمحنة المدن العريقة ما بين دمشق وصيدا، على رغم استقرار عرابي أربعين عاماً في باريس. يحفل المعرض بكثافة المراحل السابقة واللاحقة على غرار: استرجاع ملحمة المشاهد الحضرية في المدينة القديمة المسكونة بالأساطير والمجتمع الحلمي الملغز والأبديّ في «سيزيفيّته» و تعارض - وخصوبة - الإقامة بين عائلة والدته في دمشق وعائلة والده في صيدا، أي ما بين حواري الأولى المغلقة وشموس مرفأ الثانية ونورانيتها المتوسطية. وتبرز في المعرض موسيقيّة التكوين ورفع الحدود بين التشخيص التعبيري والتجريد، وصلت ذروتها في المعرض من خلال الموضوع الأثير المرتبط بالقصيد والتلحين الصوفي للثلاثي: السنباطي وأم كلثوم و أحمد شوقي، والتخت الشرقي وعلى رأسه محمد القصبجي، رموز فترة «النهضة العربية». ويضم المعرض «تحية إلى موريس بيجار» (2009) ويمثّل التحول من الموسيقى إلى الرقص والأجساد العارية من الأقنعة والأردية السوداء التقليدية. ثمّ التجريد الغنائي الأول في الثمانينات، بحيث تعانق الصالة مقتنيات عديدة منه (معارض في باريس وأوروبا سابقة على العقد المذكور ولكنها ممثلة في المعرض). التحول التدريجي من جديد إلى التجريد ذي الأصول الموسيقية، من دون التخلي عن طوبوغرافية التكوين الحضري. ثم العودة إلى موضوع «الساكن والمسكون» مع المحنة السورية، بحيث يعانق المعرض ثلاث لوحات أخيرة منه ختمت هذه الجولة من شريحة العشر سنوات. أما عنوان المعرض الاستعادي الراهن «إطفاء الجمر في الصقيع» فيختزل المشترك في كل تلك المراحل، ويحتوي بيان المعرض على إضاءات نقدية لتفاصيل هذه المسيرة. ولنا عودة إلى المعرض.