«لن نتطرق إلى الانتخابات من قريب أو بعيد»! قالها معدّ البرنامج الصباحي اليومي لضيفه الصحافي الذي دأب على الظهور لقراءة الصحف على الهواء. تعجب الصحافي واعتقد أنها دعابة! فكيف يمكن قراءة الصحف للمشاهدين في مثل هذا الوقت الذي يتنفس فيه المواطنون غاز الحملات الدعائية للمرشحين ويزفرون ثاني أوكسيد المصادمات والمواجهات بين المرشحين المحرومين من خوض مضمار المسابقة مع الشرطة؟! هاج الصحافي وماج. وعلى رغم أنه ليس محسوباً على هذا التيار أو ذاك، وعلى رغم قراءته المتوازنة للصحف المسموح بمراجعتها، إلا أن قرار عدم التطرق إلى الانتخابات كان على ما يبدو قراراً بائناً. أعاد الصحافي تنظيم الصحف المرصوصة أمامه، فربما يجد مخرجاً من هذا المطب السخيف الذي سيجعله يبدو أمام المشاهدين وكأنه جاء لتوه من كوالالمبور ليستعرض آخر أخبار ماليزيا. وفجأة انفتحت أبواب السماء، وتهللت أساريره، بعدما وجد العنوان الرئيسي لإحدى الصحف القومية المملوكة للدولة عن الانتخابات والمصادمات، فأخذ صيده الثمين، وطار إلى المعد ليبشره ب«أنها تاهت ووجدناها». لكن جواب المعد كان بكل هدوء: «يا أستاذ أقول لك لن نتكلم عن الانتخابات من قريب أو بعيد». وبعد كثير من الشدّ والجذب، والنقاش الهادئ تارة والمحتد تارة أخرى، وجد الصحافي الساذج نفسه أمام حائط مسدود. فالخيارات الثلاثة المتاحة له هي: إما أن يحلل أخبار الصحف مغمضاً العين والقلب عن الانتخابات وأجوائها المشحونة والملبدة بكثير من الغيوم، وإما أن يعتذر عن عدم الظهور في البرنامج متعللاً بصداع نصفي مفاجئ أو مغص كلوي مداهم، أو أن يظهر اقتناعه بما قاله المعد ويتظاهر بأنه سيتبع إرشادات الأمان التلفزيوني، وما إن يظهر على الهواء حتى يطلق العنان لما يرى أنه مناسب من الأخبار ليستعرضها ويحللها بسرعة إلى أن تتحقق السيطرة عليه، سواء من طريق مقاطعة المذيع، أو إغلاق الصوت والاعتذار للمشاهدين عن عطل فني. مرت الثواني ثقيلة، وقرر أن يدخل الاستوديو بعد التضرع للسماء بأن تخرجه من الورطة التي وجد نفسه فيها. ودخل الصحافي الأمين الاستوديو برِجله اليمنى، وجلس على المقعد المخصص له أمام المذيع الذي لاطفه بقوله: «خلي بالك يا أستاذ وحياة أبوك. لا انتخابات ولا غيره!» ولسبب غير واضح، سرى شعور بالراحة لدى الصحافي. أنارت الكاميرات أضواءها الحمراء الصغيرة، وبدأت الفقرة بمكالمة هاتفية مع مسؤول مروري للاطلاع على الأحوال المرورية في شوارع العاصمة. واستطرد المسؤول في استعراض المحاور التي تعاني ازدحاماً، ونظر المذيع كعادته إلى ضيفه ليسأل المسؤول المروري عن خط سيره أثناء عودته. لمعت عينا الصحافي، وسأل المسؤول دون تفكير: «وياترى يا أفندم أحوال المرور هتكون إيه يوم الانتخابات؟!» وكان ما كان!