لم يكن جمهور الرائد يتخيّل يومًا، أن الفريق الذي طالما حمل لقب "فارس القصيم" سيصل إلى مرحلة يبدو فيها الاستسلام أقرب من المنافسة، والهزل أقرب من القوة، والغياب أقرب من الحضور. هذا الموت البطيء، الذي يعيشه الرائد اليوم لم يكن وليد لحظة، ولا نتاج موسم واحد، بل هو حصيلة سنوات من التراجع المتراكم، وفقدان الهوية، وتآكل الطموح، حتى بات الفريق، وكأنه يسير بخطوات واثقة نحو الهاوية، دون أن يجرؤ أحد على سحب فرامل الانحدار. الرائد الذي عرفته الجماهير فريقًا مقاتلًا، يزاحم الكبار ويُسقطهم حينًا ويُرهقهم دائمًا، بات اليوم ظلًا باهتًا لتاريخه، وكأنه فقد روحه وحرارته وجذوته. هذا التغيّر لم يحدث من تلقاء ذاته، ولم يأتِ صدفة؛ فالأندية لا تسقط وحدها، بل تُسقطها القرارات، ويُهزمها التخطيط، وتُنهكها الإدارية عندما تكرر الأخطاء ذاتها، وكأنها مسار حتمي لا فكاك منه. وهنا يبرز سؤال كبير، يمضي بين المدرجات كما لو أنه حقيقة تبحث عن اعتراف: هل كانت الإدارة الحالية بقيادة فهد المطوع جزءًا من المشكلة، أم أصل الحكاية كلها؟ فهد المطوع استمر سنوات طويلة في رئاسة النادي، وبين فترة وأخرى كانت الجماهير تتشبث ببصيص أمل، لعل التخطيط يتحسن، ولعل الفريق يستعيد توازنه، ولعل الإدارة تتعلم من الدروس القاسية التي مرّت، إلا أن الواقع كان يقود الرائد في اتجاه مختلف تمامًا، غابت الرؤية، وتذبذبت القرارات، وتحوّل الفريق إلى حالة إدارية ضبابية لا تعرف أين تقف ولا إلى أين تتجه، تغييرات المدربين، وتفاوت مستويات اللاعبين، وعدم بناء فريق مستقر طويل الأمد، كلها عوامل صنعت حالة من الفوضى هيأت للرائد هذا الانحدار البطيء والحزين. ما يؤلم جمهور الرائد أكثر من الخسائر داخل الملعب، هو الإحساس بأن النادي لم يستثمر في إرثه، ولم يحافظ على شخصيته، ولم يطوّر قاعدة يمكن أن تبنى عليها آمال المستقبل. سنوات من العمل الإداري غير الواضح جعلت كل موسم يبدو وكأنه بداية جديدة بلا نهاية، مشروع يُهدم قبل أن يكتمل، وخطط تتغير قبل أن تنضج، ومع كل خسارة، كانت الجماهير تكرر السؤال ذاته، لماذا لا يتعلم الرائد من تجاربه؟ ولماذا يصرّ على الدوران في الحلقة ذاتها التي تقوده من الإحباط إلى الإحباط؟ الرائد اليوم ليس بحاجة إلى تبريرات ولا شعارات مؤقتة تُكتب في لحظة انفعال، بل يحتاج إلى إعادة بناء شاملة تعيد له روحه قبل نتائجه، وهويته قبل انتصاراته. تحتاج الجماهير إلى إدارة تمتلك الشجاعة، لا فقط في مواجهة الإعلام، بل في مواجهة نفسها أولًا، وفي الاعتراف بأن ما تم خلال السنوات الماضية لم يكن كافيًا لصناعة نادٍ يكون على قدر تاريخ الرائد ومكانته. لا يمكن لأي فريق أن ينهض طالما أن صناع القرار فيه يتعاملون مع النادي كأنه مشروع مؤقت لا يحمل طموحًا بعيد المدى. إن موت الرائد البطيء ليس قدرًا محتومًا، لكنه نتيجة طريق سلكه النادي لسنوات. ويمكن لهذا الطريق أن يتغير إذا تغيّر التفكير، وتغيّر التخطيط، وتغيّرت الإرادة، فالجماهير التي احتضنت الرائد عقودًا لن تتخلى عنه اليوم، لكنها تنتظر من يعيد للفارس سيفه، وللفريق شخصيته، وللنادي احترامه، حينها فقط يمكن للرائد أن ينهض من كبوته لا بوعود تُكتب، بل بعمل يعيد الحياة إلى هذا الفارس الذي يستحق أن يكون في المقدمة، لا في آخر الصف، وما حدث من ردة فعل لدى الجماهير والأصوات التي ارتفعت جزء من معاناة عشاقه. فهل يفيق الإدارة.