الحديث عن حب الأوطان، حديث يشعل الأشواق ويثير الأشجان.. حديث عن فطرة لم يُفْطَر عليها الإنسان فحسب بل والحيوان أيضاً.. فالبشر يحنون إلى أوطانهم والدواب تأوي إلى مساكنها، والإبل إلى معاطنها، والطيور إلى أوكارها، والأسماك إلى بحارها..إنها علاقة فطرية بين المخلوقات والتراب. قيل لأعرابي: أتشتاق إلى وطنك؟.. قال: كيف لا أشتاق إلى رملةٍ كُنتُ جنين ركامها، ورضيع غمامها.. الوطن ليس خطبة بلغاء، ولا قصيدة عصماء.. الوطن ليس نشيداً أو أغنية، ولا لوحة فنية، إنما الوطنُ أحاسيس لا تُعبِرُ عنها حروف.. ومشاعر تراها في عيون مغتربٍ ملهوف. الوطن هو ماضينا وذكرياتنا.. هو حاضرنا وتضحياتنا، كما أنه مستقبلنا وأمنياتنا.. في الوطن تعلمنا الجود وفيض العطاء، وعلى أرضه تطيب المبادرة والتضحية والنماء، ولأجله يهون التعب والمشقة والبناء.. على أرض الوطن يحيا الإنسان ويعبد ربه.. من خيراته يعيش، ومن مائه يرتوي، وبه يُعْرَفْ وعنه يدافع.. كرامة الوطن من كرامة المواطن، وعزته من عزته.. الوطن نعمة من الله، وحبه طبيعة طبع الله النفوس عليها.. حب الأوطان راسخ في قلوب الناس كرسوخ الجبال، ولو لم يكن في الأوطان شيء من الجمال.. حب الوطن لا يقدر بثمن، ولو جار على الانسان الزمن.. حب الوطن ليس كلاماً يلقى، ولا شعاراً يرفع، بل مرتبط بسلوك الفرد المحب ارتباطاً لا انفكاك منه، يلازمه في حله وترحاله، في المنزل والشارع، في مقر عمله وفي سهول الوطن ووديانه. حب الوطن: يكون بصدق الانتماء له قولاً وفعلاً وترسيخ الانتماء بما يعزز اللحمة الوطنية، وجمع الكلمة ونبذ أسباب الفرقة والخلاف، والعصبية والتصنيف.. حب الوطن يكون بالطاعة لولاة الأمر والالتفاف حولهم، والمحافظة على مكتسبات الوطن.. حب الوطن يكون بالتحلي بالوسطية والبعد عن الغلو في الدين.. حب الوطن يكون باحترام أنظمته والالتزام بها وعدم مخالفتها سراً وعلناً.. حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، وتحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد.. حب الوطن يظهر بحماية بيئته والحفاظ على مرافقه والاستفادة منها بطرق سليمة، وبالمحافظة على منشآته ومنجزاته، والاهتمام بنظافته وجماله.. حب الوطن يتجلى بالالتزام بأنظمة السير وحسن القيادة وترك الفوضى، وفي المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه وعدم نشر الإشاعات المغرضة.
