بقلم/ صَالِح الرِّيمِي احترت كثيراً كيف ومن أين أبدأ هذه السطور.. كيف لا وأنا أرغب بالتعبير عن غيض من فيض من المشاعر لرجل كان لرحيله أثراً كبيراً في نفسي شخصياً وفي نفس أهله وذويه وأصدقائه وأحبائه وكل من عرفه عن قرب. عندما وصلني خبر وفاة أخي وصديقي الجميل محمد الطيب، كان يوماً عصيباً ومتعباً لنفسي لدرجة كبيرة، فقد جلست برهة من الزمن مذهولاً، هل أنا في علم أم في حلم، كم من المشاعر اجتاحتني عندما أدرت شريط الذكريات ليتوقف بي الزمن قبل عشرين عاماً ونيف عند المحطة الأولي بتعرفي على الأخ محمد الطيب. في تلك الأيام وإلى وقبل مرضه ما أذن المؤذن إلا وهو موجود في مقدمة الصف الأول، ابتعدت عنه كثيراً لظروف كثيرة، واشعر أني قصرت معه، وفي كل مرة التقي به إلا ويحتضني ويسأل عن حالي، سبحان الله عندما تنظر إلى وجهه ترى النور في جبينه والإبتسامة تعلو محياه، وعبارات اللطف تخرج من فيه. قبل أيام مرض الأخ محمد الطيب بمرض كورونا، فضجت مواقع التواصل الإجتماعي ومجموعات الواتس اب متفاعلين ومتضامين وداعيين له بالشفاء العاجل، وعندما وافته المنية بالأمس، وجدت الناس تدعو له بالرحمة والمغفرة، حتى مشاهير القوم من أهل الصلاح والخير غردوا عن مرضه ووفاته، ورأيت كم هائل من حالات الواتس اب والفيس بوك واضعين صورة الأخ محمد الطيب في حالتهم. والسؤال الذي طرأ في مخيلتي ماذا بينك وبين الله من خبيئة؟ وماذا صنعت يا أخي محمد الطيب؟ حتى وجدت هذا الإهتمام والحب والدعاء والتفاعل مع مرضك وعند وفاتك، بكل تأكيد من كان على استقامة وهدى وصلاح سيظفر بهذا الحب والثناء من الناس والدعاء له بظهر الغيب، ولهذا أقول: لا يمكن أن يجتمع الناس على حب إنسان إلا وهو يستحق ذلك الحب؛ ولا يمكن للمنافق أو المخادع أو الكاذب أن يجتمع الناس على حبه. رحل محمد الطيب صاحب القلب الطيب المتسامح مع الجميع، صاحب الإبتسامة المشرقة والهمة المتألقة السامقة، رحل صاحب العقل والحكمة والهدوء، رحل صاحب الشهامة والمكرمات، إنه رجل لا يعرف الحقد ولا الكراهية ولا الانتقام، تجده يسامح بسهولة وأسهل من السهولة فلا ينتظر السنين ليسامح ويعفو عن الآخرين، وأكاد اجزم أن ليس لديه عداوة مع أحد. من السهل جدا أن تبتسم في وجهي إذا رأيتني، ولكن من الصعب أن تكون البسمة الصافية عادتك الدائمة وصفتك الملازمة، مع كل أحد، وفي كل حال، حتى غدت ابتسامة الأخ محمد الطيب هي الآسرة والطلاقة الظاهرة وشعاره الذي عرف ووصف عنه.. ها هو قد رحل عن هذه الحياة.. نعم انتقل إلى رحمة الله لكن بقية دروسه لطلابه وتعليمه للناس وأخلاقع الفاضلة مع الجميع، وثناء الناس عليه شاهدةً له على ما قدم في هذه الحياة من خير وصلاح. كان محمد الطيب رجل كالنبع لا ينضب من الأخلاق، ونفسه أنقى من الماء الصافي، وقلبه أبيض من اللبن، وطيب مثل المسحة الطبية التي تشفي العليل وتروي الضمآن بنبل أخلاقه.. أحد أصدقائه يقول: وهو يسترجع المواقف الإنسانية والمشاهد الرائعة التي ظلت عالقة بالاذهان.. حيث كان الأخ محمد الطيب رحمه الله له باعاً طويلاً في الجانب الانساني والمواقف الجميلة، والدعوة إلى الله، فلم يتخلف عن حضور فرح أو حزن أو مواساة أومساعدة أو شفاعة لأحد إلا كان له حضور فعال. ترويقة: كثير هم البشر الذين مروا على هذه الحياة دون أثر، ثم ارتحلوا وانتقلوا في الغابرين، لكن كان من بينهم بشر أبت الرحيل إلا بترك الأثر فما زالت بصماتهم بارزة ومعالمهم براقة واضحة تسرُ الناظرين، قد ارتحلوا نعم.. لكن ذكراهم باقية الحسن بين الأحياء. ومضة: حقاً الحروف لم تكفيك ولم تجزيك مهما كتبت عن رثائك، فعذراً لك، فلقد عجزت كلماتي عن أن توفيك ما تستحق فرحمك الله يا أخي محمد الطيب رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته.