خرجت زكاة الفطر العينية من سعة الرحمة وحاجة الفقراء، إلى ضيق المتاجرة بها في السوق السوداء، وقد تخصصت تشكيلات من بعض الأفراد في السيطرة على بعض النسوة والأطفال وتوزيعهم بمنهج العصابات على الطرقات والشوارع؛ لتحصيل الزكوات، ومن ثم لَمّ الغلة وبيعها في الأسواق فيما بعد. تلك الممارسة الشاذة شكلت نوعا من “المافيا”، التي تتحصل على أرز الصدقات والزكاة بالقوة، إن لزم الأمر، وتشغيل النساء والأطفال بترتيب معين، كما تفعل عصابات الجريمة المنظمة، أو عصابات التسول التي تناولها فيلم المتسول لعادل إمام، حيث تقوم العصابة بتوزيع أفرادها على شوارع محددة وتراقبها بواسطة فرد منها؛ للحماية والمتابعة لحصاد اليوم، وذلك ما كان يحدث عندما راقبت “شمس” عصابات الأرز وهي تقوم بتوزيع النساء والأطفال في شوارع الرياض، ومن ثم مراقبتها كل حين وآخر إلى أن تكثر أكياس الأرز لتأتي سيارة وتحملها، وهناك من يعملون بمفردهم، لكن حصيلتهم أقل، يحملونها نهاية اليوم في ليموزين ويتركون ما زاد على الحمل على قارعة الطريق. هجوم شرس على الأرز وحامله في آخر أيام رمضان خرجت كثير من الأسر الوافدة والفقيرة إلى الطرقات؛ بحثا عن نصيبها من أكياس الأرز، وأغلبهم من الجنسيات الإفريقية التي تعمل على نطاقات واسعة ومتباعدة نسبيا؛ حتى لا تتزاحم على الموقع الواحد حتى يتمكنوا من جمع أكبر عدد من عائدات زكاة الفطر، ومنذ ليلة 25 رمضان اعتاد هؤلاء الخروج مبكرا لحجز الأماكن الاستراتيجية؛ فالحاجة علمتهم تنظيم أنفسهم بما يعود عليهم بالأكثر، سواء كانوا محتاجين أم لا، وطالما أن العبرة بالخواتيم فإنهم ينتظرون الحصول على أكبر عدد من أكياس الأرز التي يبيعونها وتعود عليهم بمبالغ طائلة، وليست متابعة حركة هؤلاء بالأمر اليسير، وقد بذلت “شمس” مجهودا مضنيا في تتبع سلوكهم في جمع الزكوات أو بالأحرى الأرز، فالقيمة لديهم بما يعود عليهم من حاصل بيعه، ولا يهمهم إن كان ذلك من السُّنة أو أن يدعو بالخير لمن يعطيهم، وذلك مما يمكن ملاحظته ببساطة من خلال تدافعهم على أهل الخير الذين يقدمون بأكياس الأرز، إذ يهجمون بكل شراسة على السيارة التي تقف لتعطيهم تلك الأكياس؛ ما ينتفي مع مفهوم الحاجة الحقيقية إلى الأرز كصدقة إلى محتاج أو فقير. غلة ليلة جمع زكاة الفطر بكميات كبيرة قد يشكل خطرا على محصول الأرز لدى المرأة، حيث تحضر الشرطة، ومكافحة التسول بين فترة وأخرى، خاصة إذا حدثت مشاجرة بين النساء على تقاسم النصيب، أو تعطل حركة السير؛ بسبب التجمعات الكبيرة. لذا اتفقت كثير من النساء مع باعة زكاة الفطر الذين يفترشون الأرض بفتح مبسط تقليدي تصف الزكاة بطريقة البيع؛ حتى تتفادى مصادرة الأرز أو بيعه مباشرة عن طرق البائع السعودي أو الأجنبي مقابل مكسب ريال واحد في كل كيس، فيما يتراوح دخل المرأة الواحدة التي تأخذ زكاة الفطر وتقوم ببيعه مباشرة، ما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف ريال في الليلة الواحدة، ويعتبر هذا الدخل قليلا، مقارنة بتلك المجموعات التي رسمت وخططت للحصول على نصيب الأسد من الأرز. مصادرة بالقوة ويتولى قادة العصابة مهمة جمع زكاة الفطر بشكل سريع من المنتشرات على الطرقات والأماكن المتفرقة؛ خوفا من الجهات الرقابية، أو لصرف نظر الذي يريد التبرع إذا وجدت كميات كبيرة لدى المرأة، وتجمع الزكاة في سيارة (فان) كبيرة الحجم ذات موديل جديد؛ لإبعاد الشبهة من حوله. ومن ناحية أخرى، يراقب بعض الرجال المجموعات النسائية من المجموعة نفسها؛ تحسبا لأي طارئ أو هروب إحداهن، حيث ذكرت بعضهن أنهن يجبرن على الخروج مقابل مبلغ زهيد من المال، بل يصل الأمر إلى التهديد بأمور أخرى كالطرد من المنزل إذا كانت المرأة تقيم بشكل غير نظامي، مع مجموعات مخالفة نظام الإقامة من الجنسيات الإفريقية. كما تتولى هذه العصابة أيضا حماية السيارة المحملة بالأرز وتأمين وصولها إلى المكان المخصص، وقد تتبعت “شمس” إحداهن بين أزقة شوارع منفوحة بمدينة الرياض، وتوقفت عند إكمال المهمة؛ وذلك لصعوبة الموقف وسهولة تحديد الأشخاص الغرباء، وقد تواجدت أعداد كبيرة من الأفارقة في مداخل الحي، سعيا لمصادرة أي كمية من الأرز بالقوة الجبرية من دون إيذاء المتبرع بشيء، إلا إذا أبدى اعتراضه بالمقاومة وكان الوضع آخر يوم في رمضان خارجا عن السيطرة، اكتفينا معه بالكتابة من دون التصوير، إلا من بعيد. الأرز فقط وتستهدف المجموعات زكاة الفطر، ولا تلتفت إلى أي صدقات أخرى، وذلك ما جعل كثيرا من الأماكن التي تركت في آخر الليل مليئة بالمواد الأخرى التي تصدق بها المواطنون كالشعير والخضراوات والملابس وغيرها. ويستأجر بعض هؤلاء الأفارقة سيارات (ديانا) لحمل أكياس الأرز، ويرتبون مع بعض المساجد التي تجمع زكاة الفطر ويوهمون القائمين عليها بعلامات الصلاح، وملف الأوراق الخيرية، وذلك ما ذكره محمد المسلم مؤذن الجامع الحصيني عن الرجل الذي أرسله صديقه الإفريقي الذي أكد أن الرجل يعرفه بشكل جيد، وقال: “اتفقنا معه على توزيع زكاة الفطر على الفقراء المعروفين من أهل الحي وإذا تبقى شيء فسيكون من نصيبه ونصيب أسرته وأقاربه المحتاجين”، وأضاف: “وبعد أن تم جمع زكاة الفطر من المزكين، هرب الرجل وأغلق جهازه الجوال”. وعادة ما تتوجه العصابة إلى شركات الأرز لبيعه مرة أخرى بسعر مقارب لسعره الأصلي، فيما تذهب عصابة أخرى لا تملك الكثير من المقومات على جمع زكاة الفطر، إلى السوق السوداء التي تتواجد غالبا في أماكن معروفة لهؤلاء مثل حراج ابن قاسم.