رفع أسعار السجائر قد لا يقنع بعض المدخنين الشرهين بالتفكير في الإقلاع عنه، ولكن ذلك مفيد لإبعاد شبحه عن المراهقين والشباب، فهؤلاء لديهم ميزانيات محدودة قد يرهقها ارتفاع الأسعار فيبدؤون أولا في التقليل منه، وبعده تركه. قد تكون الزيادة أفضل طرق المكافحة، لأنها تدخل المدخنين في نطاق أولويات لواجباتهم، فلا يمكن أن يحل التدخين والصرف عليه في موقع متقدم على التزام تجاه طفل أو أمر شخصي أكثر أهمية، ولذلك تبدو تجربة الزيادة أكثر حسما لملف صعب لم تنجح كثير من القرارات وبرامج المكافحة في حسمه. محمد الغامدي، بدا سعيدا جدا بخبر ارتفاع أسعار السجائر، حيث يرى أن مثل هذه القرارات سوف تحد من ظاهرة التدخين في السعودية بشكل خاص والدول العربية المجاورة بشكل عام «في الحقيقة لقد أصبحت أرى أن التدخين تفشى بشكل كبير بين الشباب السعودي، وأصبح الصغير يدخن قبل الكبير، بل إن بعض أولياء الأمور أصبحوا يعتمدون على أبنائهم في شراء السجائر من مراكز التموينات، وفي النهاية نجد أن الضحية هم الأبناء الذين يقعون في شرك التدخين حيث يكتشفون أنهم مدخنون ومن ثم يتلقون الضرب والطرد من منازلهم من قبل أولياء الأمور الذين هم السبب الأول والأخير في ذلك». ويضيف الغامدي «لقد وجدت أن العديد من أصدقائي باتوا يفكرون بكل جدية في الإقلاع عن التدخين بسبب ارتفاع أسعاره بشكل مضاعف، وهذا هو السبب الحقيقي ليس كما يتوقعه البعض كون الشاب السعودي يأمل في الإقلاع عن التدخين خوفا على مستقبله أو تدهور حالته الصحية وإنما السبب هو ارتفاع الأسعار التي أتمنى وبكل صدق أن ترتفع أكثر من ذلك بكثير حتى تكف أيدي الشباب من حمل الموت بأيديهم». بحث وهمي باسم صالح، مدخن فوجئ بارتفاع أسعار السجائر، وفي أحد الأيام دخل في صراع مع أحد العاملين في محل تموينات، حيث طلب منه بيعه سجائر فطلب منه بدوره عشرة ريالات «لقد توقعت في البداية أنه يمازحني، ولكنني وجدت أنه يتحدث معي بكل جدية مؤكدا أن أسعار السجائر قد ارتفعت ضعف سعرها الأول». ويضيف: «في الحقيقة كدت أتشاجر مع البائع لولا دخول أحد الزبائن الذي أكد لي أن أسعار السجائر ارتفعت أضعاف ما كانت تباع به في السابق، والسبب هو العمل بكل جد من قبل المملكة في التصدي لهذه الآفة التي قتلت زهرة الشباب وألحقت بهم أضرارا جسيمة جراء البحث الوهمي عن «الروقان» على حد قوله. لم يكتف باسم بهذا بل أكد أن ذلك الموقف لم يكن كافيا لإقلاعه عن التدخين بل دفع 30 ريالا لشراء ثلاث علب سجائر من أجل أن يفكر مليا في مسألة الإقلاع عن التدخين من عدمه، ولكي تكفيه مدة ثلاثة أيام كونه يدخن في اليوم الواحد علبة كاملة. يقول: «لم يكن ذلك الموقف كافيا لي حقيقة، بل قمت بشراء ثلاث علب سجائر أخرى ظنا مني أن الدخان سوف ينقطع بيعه في السوق». ولكنه عاد إلى جادة الصواب وبدأ بالفعل يفكر في مسألة الإقلاع، وأن هذه الفرصة هي المناسبة والمحك الحقيقي لمن أراد أن يقلع عن التدخين «مسألة الإقلاع عن التدخين بكل صدق تعتمد على الإصرار والكراهية، وذلك إما أن يكون للمدخن إصرار قوي على الإقلاع عن التدخين فورا ويتركه تماما أو يقلل علاقته بأصدقائه المدخنين لفترة معينة أو أن يكون لديه كره لعملية التدخين، وهذا يحدث لعدد من المدخنين الذين مروا بوعكة صحية ألزمتهم التوقف عن التدخين فورا، الأمر الذي أحسوا فيه بكره للعودة من جديد لتدخين السجائر». سيجارة مسروقة في فترة ماضية عندما أراد باسم أن يقلع عن التدخين، بشرائه حبوب الإقلاع عن التدخين من إحدى الصيدليات، حيث وصف له أحد أصدقائه وصفة طبية، وقام بشراء تلك الحبوب التي كلفته نحو 160 ريالا واستعملها، الأمر الذي كان ضرره أكثر من نفعه، فقد ساءت حالته النفسية وصحته الجسدية حتى أكد أنه كان قد خسر من وزنه قرابة 9 كجم جراء انعدام شهيته وإقباله على الطعام، بالإضافة إلى إحساسه الدائم بالقيء. وفي مثل الأيام التي تشهد فيها الأسر السعودية حالات طوارئ بسبب الاختبارات، يجد فيها الطالب فرصة سانحة للخروج مع الأصدقاء عقب إتمام الاختبار اليومي لتناول الإفطار في أحد المقاهي أو غيرها حيث تكثر حالات التدخين بينهم في غفلة من أولياء الأمور، وهذا ما حدث بالفعل للطالب «خ. السبيعي» الذي تحدث وهو يدهس تحت قدمه أعقاب السجائر التي كان يرشف دخانها «أتذكر قبل قرابة ست سنوات كنت أخرج مع أصدقاء لي بعد إتمام فترة الاختبارات للجلوس في أحد المقاهي وتناول وجبة الفطور، ولم أكن حينها مدخنا ولكنني باحتكاكي المباشر مع مجموعة مدخنة أصبحت مثلهم أوفر جزءا من مصروفي اليومي لشراء علبة سجائر». ويضيف السبيعي وهو يضحك «في الحقيقة الآن لا أستطيع شراء «بكت دخان» نظرا لارتفاع أسعارها أضعاف ما كانت عليه في السابق، ولكي أكون صادقا أنا سعيد بهذا الأمر لأنني بالفعل أرجو من الله أن أقلع عنه في أقرب فرصة تتاح لي» وبسؤاله: من أين حصل على السيجارة التي كانت بيده، أجاب خالد ضاحكا «سرقتها من جيب أخي الكبير». وداعا لبيع الدخان وفي ظل هذه الأزمة - التي يمر فيها كل مدخن - التي أجبرتهم على التفكير بشكل كبير في الإقلاع عن التدخين وترك السجائر بعد ارتفاع أسعارها لعدم مقدرة البعض على شرائها ليصبح هما كبيرا يراود من أراد اقتناءها، فيما اعتبرها آخرون حسنة قد تدفعهم إلى الابتعاد عن التدخين وقطعه جذريا. يقول «أبوليان» وهو غير مدخن «في الأيام الأخيرة وجدت أن العديد من الشباب أصبح حديث جلساتهم هو الأسباب التي أدت إلى ارتفاع أسعار السجائر بشكل كبير، فمنهم من لم يكترث للارتفاع، ومن اختار اللجوء إلى «المعسل» والعمل على تجهيزه في المنزل لتفادي انقطاع الدخان كخيار آخر له. ويضيف «أبوليان» وهو يملك بقالة في مدينة جدة «في الحقيقة لم ألحظ أي اختلاف أو تراجع في الإقبال على أنواع الدخان وشرائه من قبل المستهلكين، خاصة الذين اعتادوا اقتناءه ولا يستطيعون تركه أو حتى الإقلاع عنه». ويستطرد: «العديد من أصدقائي يتحدثون إلي بكل حرص طالبين مني ألا أعمل على رفع أسعار علب السجائر لكي يشتروه من بقالتي، ولكنني أتوقع أن أخيب ظنهم، فالحقيقة لم أعد أستورد الدخان، كما لم أعد أبيعه في محلي الخاص، أولا لكي أعمل على أن أقف يدا واحدة مع هذه الحملة الإيجابية التي تسعى لمد يد العون للشعب السعودي، ومن ناحية أخرى فإنني أنوي أن أسلك طريقا لا هلاك فيه، فمال يأتيني من وراء سيجارة لا خير فيه، ولا أحبذه». زيادة الضعف الأمين العام لجمعية مكافحة التدخين سليمان بن عبدالرحمن الصبي يؤكد أن ظاهرة التدخين باتت تهدد الفئة الأغلى على قلوبنا وهم الشباب، كما أنها أصبحت مستشرية بين النساء كذلك «أجد أن ما جرى في الوقت الراهن من ارتفاع أسعار التدخين أمر قد لا يساد بشكل من الأشكال في تعزيز مكافحة التدخين في السعودية، وذلك نظرا لأن نسبة الزيادة التي على أثرها زادت أسعار السجائر قد لا تعد زيادة تسهم بشكل من الأشكال في الإقلاع عن التدخين كونها أسعارا قد تكون في متناول الجميع». ويضيف الصبي: «من المفترض أن تزيد أسعار علب السجائر للضعف، حيث إنها الآن لم تزد سوى بنسبة 20 % ومن المفترض أن تكون هذه الزيادة منذ عام 2004 وهو التاريخ الذي شهد أول زيادة على علب السجائر، ولكننا نجد أن سعر السجائر في السعودية لا تشكل سوى 25 % بالنسبة للأسعار العالمية التي زادت أسعار سجائرها، أضعاف ما نجدها لدينا في الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص، وفي الحقيقة نطالب بأن تكون هناك زيادة حقيقية على علب السجائر بكافة أشكالها حتى نضمن بعون الله سلامة المواطنين». ويشير الأمين العام لجمعية مكافحة التدخين إلى أنه من المتعارف عليه عالميا، كلما زاد سعر السجائر 100 % قل عدد المدخنين إلى نسبة 40 % وهذا مطلب الجمعية حتى نتمكن من العيش في بيئة سليمة نقية، ونضرب بذلك جميع الشركات العالمية المنتجة لمادة التبغ «زيادة وارتفاع أسعار علب السجائر ليس الحل الأوحد لعملية مشروع مكافحة التدخين، بل هي جزء من مشروع المكافحة المتكاملة، حيث نجد أن ضرائب نقاط البيع - منع التدخين في الأماكن العامة - وضع عقوبات على المدخنين من صغار السن وغيرها الكثير، وهي بعض الأمور التي يعمل عليها مشروع مكافحة التدخين تحت مظلة جمعية مكافحة التدخين». 5 ملايين مدخن ويشدد الصبي على وضع آلية مقننة وواضحة تتشكل في وضع ضرائب على نقاط البيع، وهو الأمر الذي تعمل عليه جميع دول العالم الغربي، وكذلك دولة قطر أخيرا التي قامت بوضع ضرائب على نقاط البيع لتوجه بصورة واضحة إلى الشركات المصنعة، ومن ثم سنجد جميعا الدور الفعال والكبير الذي سيتشكل بإقلاع المئات والآلاف من المواطنين، وكذلك عزوف المحال التجارية وغيرها عن بيع علب السجائر، ومن هنا سنقف يدا واحدة لمكافحة التدخين. ويضيف: «تضم جمعية مكافحة التدخين أبرز المتخصصين في عمليات المكافحة، كما تمتلك الجمعية أحدث الأجهزة المتطورة لمساعدة الباحثين عن حلول الإقلاع عن التدخين، حيث حققت الجمعية حتى الآن نسبة إقلاع للمترددين عليها بنسبة 60% كما أن الجمعية لديها عيادات خاصة للنساء وأخرى للرجال». ويشير الصبي إلى أرقام مفزعة تهدد صحة المواطن السعودي «نسبة المدخنين من المراهقين وصلت 20 % بينما نسبة المدخنات من النساء قد تتخطى في وقت من الأوقات نسبة ال6 % وأخيرا وصلت نسبة المدخنين من البالغين إلى30 % وفي الحقيقة وبكل صدق فقد فاق عدد المدخنين في السعودية الخمسة ملايين مدخن» .
