هناك كثيرٌ من أبناء هذه الأمَّة المسلمة ينظرون لهذه الاعتداءات الصهيونيَّة الآثمة على أرض الله المقدَّسة (المسجد الأقصى) ومدينةِ القدس بعين الأسى، ومن لم يتحشرج صدرُه، وتغرورق عيناه بالدموع، وهو يرى هذه الاعتداءات على هذه البقعة المقدَّسة من أرضنا المباركة (فلسطين)؛ فهو - مع الأسف - لم يحمل همَّ الأرض المقدَّسة. ومن المؤكَّد أنَّ الحزن والأسى لا يفيدان شيئاً، ولا يقطعان دابراً لعدو، بل قد يورثان الهم والغم الذي يقعد بالمسلم عن العمل لهذا الدين. غير أن المهم أن نستقريَ مقاصدَ اليهود العتاة ومآربَهم تُِجاه حَمَلاتهم المتتابعة والمتكرِّرة على مدينة القدس الشريف. ومن خلال الرصد والمتابعة لحال اليهود في هَجَمَاتهم المتتابعة على القدس الشريفة وأهلها يتأكَّد للمسلم أنَّ الإفسادَ في الأرض عادتٌهم؛ كما قال تعالى: {ويسعون في الأرض فساداً} [المائدة: 64] وهي عادة اليهود في كل زمان ومكان، بل لا يستحيون من تلك الأفعال، وهم يفعلونها أمام العالم بكل صراحة استخفافاً بالمسلمين وبحرماتهم ومقدَّساتهم، وإهانة لهذه المقدَّسات التي قلَّ من يغضب لها في زمننا المعاصر. وهناك ملامحُ في الأفق؛ إذ إنَّ لدى الصهاينة خطَّةً مرسومة لتهويد القدس، فالتهديدُ الديموغرافي (السكاني) والعمراني بات واضحاً من قِبَلِ الصهاينة؛ إذ أعلنوا عن بناء أكثر من 20 ألف وحدة سكنيَّة موزعة على ثلاثة أحياء استعماريَّة (تخريبيَّة) جديدة، وكل هذا وراءَه دعمٌ صهيوني بما يقارب 6 مليارات (شيكل) لهذا الغرض، وفي هذا تهديد خطير للوجود الفلسطيني في الأراضي المقدَّسة، بل ومحاولة لتخويفهم من المد الصهيوني المتتابع، وذلك قد يؤدي إلى دفعهم نحو الخروج من القدس، وهذا أمر خطير يسعى اليهودُ بقدر الإمكان إلى القيام به لأجل أن يهاجر الفلسطينيون من أراضيهم المقدسة، وبهذا يتضحُ جزءٌ من المسلسل الصهيوني المتكامل للسيطرة وبسط النفوذ على القدس وتهويدها شيئاً فشيئاً. ثمَّ إنَّ اليهود كلَّما رأوا مداً متنامياً ومتزايداً من الفصائل المقاتلة للكيان الصهيوني في غزَّة، سواء عن طريق قوَّتهم العسكريَّة التي تتزايد، أو من خلال استهدافهم للمستعمرات الصهيونيَّة، فإنَّهم بالمقابل يحاولون أن ينتقموا من أهالي الضفة، أو ينقلوا انتقامهم لعمل مستهجن كما يحدث الآن في المدينة المقدسة. كما أنَّ اليهود كلَّما شعروا بتزايد انصراف القادة العرب خاصَّة؛ فإنَّهم يتابعون عملية التهويد والاستيطان والتخريب، والاغتصاب لمقدَّرات المسلمين في فلسطين، فكأن انصراف القادة السياسيين مجرِّئ لليهود على ركوب هذه الموجات العاتية الإفساديَّة في الأراضي المقدَّسة. ومن خلال ما بان لنا من مآربِ الصهاينة تجاه مدينة القدس وأهلها، فإنَّ من المؤكد - وجوباً شرعياً وواقعياً - أن يكون لدى المسلمين وقفةٌ تجاه هذه الهجمات السيئة، فالأمَّة - إلى الآن - مقصِّرة في نصرة هذه القضيَّة. صحيح أنَّه قد تكون هناك مواقفُ مباركة وطيبة من بعض العلماء أو المفكرين أو الإعلاميين وغيرهم، لكن الوضع يحتاج إلى الكثير والكثير من الجهود المدافعة، والأفعال المواجهة للعمليات التخريبيَّة التي يقوم بها الصهاينة، ونحن – إلى الآن - لم نلحظ توقفاً من الصهاينة عن عملهم الدؤوب لإضعاف الأسس التحتيَّة للأقصى، ولم نجدهم يرتدعون عن مساعيهم في تهويد القدس؛ ولأجل ذلك فإنَّ الجهود الإسلاميَّة يتحتَّم الزيادةُ في بذلها، وضخُّ كل قوى الطاقة البشريَّة المسلمة لنصرة هذه القضيَّة. والأمَّة - إلى الآن - تتحرك بعواطفها، وليس من شك في أهميَّة وجود العاطفة لدى الأمَّة، ولكن العاطفة إن لم تكن مدروسة ومبنيَّة على أسسٍ وقواعدَ شرعيَّةٍ واستراتيجية، فسيكون مآلُها كفقاعة صابون أو بالونات تنتفخ شيئاً فشيئاً إلى أن نأنتنفجر، حتَّى يصح وصفُ كثير من تحركات أمَّتِنا بأنَّها (ظاهرة صوتيَّة)؛ إذ يتحمَّسون لقضيَّة معيَّنة، وخلال ثلاثة أيام تخبو جذوةُ الحماس وتنتهي! الأمَّة جدير بها أن تعلم أنَّ ارتفاع أصواتنا بالهتافات والشعارات والمظاهرات؛ كلُّ ذلك محمود وَفق المصلحة والمقاصد الشرعيَّة، لكنَّها بحاجة إلى أن تعلم أنَّه من الخطأ، بل من الجرم الكبير أن تقف عند هذا الحد فحينئذٍ تخبو جذوتها شيئاً فشيئاً، حتَّى تكون قاعاً صفصفاً. ولنأخذ مثالاً واضحاً في ذلك: فأين الأمَّة المسلمة وصيحاتها من مقاطعة بضائع المحتل الأمريكي والبريطاني؟ وهل حماستها لمقاطعة بضائع الدنمارك في هذا الوقت هو نفسه كما كان يوم سخونة الأحداث أم انخفض وتغيرت وتيرتُه؟ الجواب واضح! فهناك إذاً نوع من الخلل في تعامل الأمَّة المسلمة مع الأحداث الكبرى التي تمر بها. فأمَّتنا - إلى الآن - تتحرك بغير قيادة موحدة، أو على الأقل لم ينسّق بعضها مع بعض، بل هناك أحياناً تضارب في الخطوات، والارتجال الذي إن نفع فإنَّ نفعه محدود، وهذا أمر غالب في التعامل مع قضايا الأمَّة. الأمَّة تحتاج - في الحقيقة - إلى بثِّ روح الفاعليَّة، والابتعاد عن العشوائيَّة الانفعاليَّة، وتحتاج إلى أن تكون على قدر المواجهة، واستشعار روح المسؤوليَّة، وأن تعلم أن فلسطين ملك للمسلمين عموماً وليس لأهل فلسطين. ليس ذلك تشاؤماً؛ لأن الاعترافَ بالحقيقة نصفُ العلاج، وذلك ليكون لنا خطوات مدروسة وأعمال مرسومة. وأرى أنَّ من أهم المهمات أن يعلم كلُّ فرد منَّا أنَّه عبد لله، وأنَّ الله خلقه لعبادته، ولم يخلقه عبثاً، وأنَّ كل عبد مسؤول بين يدي الله تعالى، وأنَّ المسلمين في هذه الحقبة الزمنيَّة يعيشون في معركة من أكبر المعارك التي يمرُّون بها في حَلَقات سِنِيهم، وكما يقول أحد الخبراء الاستراتيجيين: "لو لاحظنا معيار قوَّة الأمَّة المسلمة فسنجده في مقدَّساتها؛ فإن كانت مقدساتُها تحت أيدي المسلمين فإنَّ الأمَّة بخير، وإذا كانت مقدَّساتها أو واحد منها تحت يد العدو الكافر المحتل فلنعلم أنَّ الأمَّة مريضة، ويجب عليها فوراً أن تعالج مرضها". والقدسُ ترزح تحت نِير الاحتلال الصهيوني منذ ما يقارب 70 سنة، وهي في كل يوم تشتكي من تصاعد الهجمات الإجراميَّة عليها وعلى أهلها المسلمين، وهي إلى الآن تحت قبضة الطاغوت الصهيوني المحتل، وينبغي أن يكون لدى المسلمين ذلك الحنانُ الديني الإسلامي على هذه الأرض عامَّة والقدس السليبة خاصَّة، وأن يكون لهم نِعْم الدور لاسترداد مجدها وعزها التليد. كيف السكوت وفي الأقصى أرى عجباً زخُّ الرصاص على الأطفال ينهمر؟! ومن أولى أولويات المسلمين في هذا الزمان أن يعلموا أنَّ واجبَهم نصرةُ هذه القضيَّة التي هي من أغلى قضاياهم المعاصرة، وألاَّ يظنَّ أحدُهم أنَّه إذا قام يوماً ما بدعاء الله تعالى، أو تبرع لنصرة إخوانه؛ أنَّه فعل كلَّ شيء، أو أنَّه فعله تفضلاً وتكرماً منه على هذه الأرض المباركة وأهلها؛ فالقدس للمسلمين.. جميع المسلمين، ولو تصورنا جدلاً أنَّ أهل فلسطين تخاذلوا عن نصرة هذه القضية الإسلاميَّة، فإنَّ المسلمين يجب عليهم أن يتحركوا لنصرة هذه الأرض، حيث إنَّها احتُلت من قِبَلِ يهودي غازٍ ظالم سافك للدماء، مغتصب للأراضي والأعراض، فليس الحلُّ أمامه إلا الجلاد والجهاد، وما دامت أرضُ فلسطين باقية تحت الاحتلال فإنَّ المسلمين ينالهم الإثمُ بسبب تقصيرهم في نصرة هذه الأرض المباركة، وكل على قدر مسؤوليته وطاقته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ومن قام بنصرة هذه القضيَّة فإنَّ الله - تعالى - سيرفع ذكره في الدنيا، ويجزل له الأجر والمثوبة في الآخرة، وإن لم يقم بنصرة هذه الأرض فإنَّه متوعَّد بالإثم والعقوبة من عند الله، ومع الأسف! إنَّ غالب المسلمين اليوم غافلون أو متغافلون عن نصرة هذه الأرض، وهو أمر ينبغي ألاَّ يكون المسلمون عليه بتاتاً، فهذه هي الحقيقة، ولنكن صرحاء ولا نغالط الحقائق أو أن نسبح في القاع، ظانين أنَّنا حينها قد استخفينا عن الوجود، وصرنا بلا وجود. نعم ليس مِن كاشف لمآزقنا إلاَّ الله، ولن نشك قِيدَ أَنْمَلة بأنَّ الله ناصر المستضعفين، ونحن المسلمين وإن كنَّا بإمكانيات ضعيفة، ونعلم أنَّ عدونا يمتلك أدوات متقدمة لا تمنحنا فرصة فرض الحلول، إلا أنه ينبغي على الأقل أن يكون لنا موقف عملي في ذلك، ومنه ما يلي: 1- تقوى الله أولاً ومراقبته، واستشعار التقصير في حق قدسنا وأراضينا وأهلنا في فلسطين. 2- التعريف بالقضيَّة الفلسطينيَّة والتأكيد على إسلاميَّتها، وأنَّ أرض فلسطين إسلاميَّة، وأنَّ صراعنا مع اليهود صراع عَقَدي إسلامي، ومعركة دين واعتقاد، كما أنَّ صراعنا معهم لأنَّهم احتلُّوا أرضَنا، فنحن نجاهدهم جهادَ الدفع حتى يخرجوا من أراضينا ولا يبقوا مغتصبين لشبر منها، كما أنَّ اليهود أنفسهم يَعُدون صراعهم معنا صراعاً عقدياً، ولهم عقيدة في الوعد بفلسطين، ومن أفضل من كتب عنها وفصَّلها وعرضها ناقداً لها، الأستاذ (محمد بن علي آل عمر) في كتابه: (عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين: عرض ونقد). 3- رسم استراتيجية في كل بلد من قادة العمل الإسلامي، ومحاولة دراسة أنفع وأنجع الحلول في مواجهة جرائم الكيان الصهيوني، كلٌ حسب استطاعته وقدرته. 4- الاهتمام بالدعاء، والعمل ب(قنوت النوازل) لتكون هناك ظاهرةٌ شرعيَّة في الرفض لتلك التحركات الصهيونيَّة الآثمة، ودعاء الله – تعالى - قضيَّة شرعيَّة يجدر بنا ألاَّ ننساها أو نغفُل عنها البتة، وألاَّ نستعجل إجابة الدعاء في أن نرى النصر بسرعة ومباشرة؛ ولو تأمَّلنا في قصَّة موسى - عليه السلام - ودعوته لفرعون وقومه، حين لم يستجيبوا بل آذوه جاءت النصوص أنَّ كليم الله موسى - عليه الصلاة والسلام - قال عن كفرة بني إسرائيل: {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88] وبعدها جاء الخطاب من الله تعالى له ولأخيه هارون عليهما السلام: {قال قد أجيبت دعوتكما} [يونس: 89] فقد ذكر بعض المفسرين نقلاً عن مجاهد وكذلك ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أنَّهما قالا: لقد جلس فرعون بعد دعوة موسى تلك أربعين سنة، ثمَّ استجاب الله الدعاء فقال: (قد أجيبت دعوتكما)! وليس القصد من هذا التحديد أنَّ النصر يكون بعد أربعين عاماً، غير أنَّ طلب الدعاء من الله تعالى والإلحاح عليه في ذلك، وعدم استعجال الإجابة، سيقود إلى استجابة الله تعالى، بعد بذل الجهد في الدعاء والمناجاة لرب الأرض والسماء، مع أنَّ قارئ الآية يظن أنَّ الله استجاب دعوة موسى مباشرة بعد أن طلب منه أن ينتقم من كفرة بني إسرائيل، ولكن النواميس الكونيَّة أخذت مجراها ووقتها، إلى أن استجاب الله الدعاء وحقَّ الإزهاق للقوم الكافرين. 5- من المهم جداً للذين يعيشون في أراضي (48) أن يلتفوا حول قادة الحركة الإسلاميَّة، وأن يكون لهم دور فاعل في كبح جماح تلك المخطَّطات الصهيونيَّة ولو بالرفض. 6- تصاعد العمل الجهادي والبطولي في فلسطين سيثير خوف الصهاينة، وسيكون بهذا الفعل إيجاعاً للعدو لثَنْيِه عن بعض تصرفاته، وقد يؤدي إلى توقيف أعمالهم ولو مؤقتاً، وهذا مكسب لنا، بوصفنا أمَّة لا ترضى أن تقابل الله – تعالى - بالهوان والذل وعدم فعل أي شيء يدفع كيد الكائدين، والله تعالى يقول: {ولا يطؤون موطئاً يغيط الكفَّار ولا ينالون من عدو نيلاً إلاَّ كتب لهم به عمل صالح} [التوبة: 120]. 7- وسائل الإعلام لها دورها الأكيد في تجلية الحقائق وعدم تغطيتها، بل ينبغي أن تكون الساعد الرئيس في نصرة المقدَّسات الإسلاميَّة؛ لأنَّ هذه ثوابت من المهم أن يقوم بها الإعلاميُّون والصحافيون خير قيام. 8- فضح المخطَّطات الصهيونيَّة تجاه منطقة القدس، وإبراز خططهم الاستراتيجية القائمة في ذلك، ومناقشة ادِّعاءاتهم بالروح الشرعيَّة والعقليَّة، وخطأ تصوراتهم المزعومة بأنَّ لهم الإرث التاريخي في هذه الأرض. 9- دعم الفلسطينين داخل منطقة القدس، ومحاولة التأكيد على ثباتهم هناك، وعدم الهجرة أو الخروج من تلك الأرض المقدَّسة، بل يتأكَّد بالمقابل زيادة النسل وتكثيره، والتشجيع على الزواج، وفي هذا مباهاة من رسول الله للأمم يوم القيامة، وإغاظة لأعداء الدين بكثرة تَعدادهم وعدم تأثرهم بالوضع الجاري في عمليَّة التهويد. 10- دعم جميع المؤسسات الفلسطينية داخل منطقة القدس بكل أنواع الدعم، ووضع آلية خاصة لمساعدة الفلسطينيين الذين يواجهون خطر الترحيل أو ما يسمى سحب الهويات تحت طائلة الضرائب. 11- على الدعاة والعلماء والسياسيين المهتمين بمصلحة أمَّتهم ودينهم التحذير من مكر اليهود وخبثهم وأساليبهم في التعامل بكيد مع قضيَّتنا في فلسطين المسلمة، وعقد المجالس والمحاضرات لبيان هذا الخطر. 12- ضرورة الحفاظ على حالة العداء مع ذاك الكيان الغاصب بالوقوف ضد أي مساعٍ تدعو إلى التطبيع معه، أو التصالح الدائم. 13- سعي الفلسطينيين - من الأثرياء والأغنياء خارج فلسطين - لخدمة إخوانهم في الداخل، وتسهيل أمورهم ومصالحهم، وتقديم المساعدات المالية للمنكوبين منهم، وكفالة أيتامهم وأراملهم، والسعي على حاجات الثكالى، فإنَّ وجوب نصرة الفلسطينيين بعضهم لبعض أمر واجب، وكما يقال: الأقربون أولى بالمعروف، وإذا كان أهل فلسطين ممَّن يعيشون في خارجها مقصِّرين في حقوق إخوانهم داخل هذه الأراضي؛ فكيف سيكون نظر الشعوب الأخرى لهؤلاء الفلسطينين الذين يعيشون خارج فلسطين، وهم غير مهتمين بأوضاع إخوانهم في هذه الأراضي المباركة؟! كما أنَّه من المهم أن يقوم المخلصون لهذه القضيَّة بتربية الشباب الفلسطيني المسلم في خارج فلسطين ليتحملوا مسئوليتهم تجاه قضية فلسطين. 14- التأكيد من علماء فلسطين ودعاتها الأخيار على تثبيت وجود الفلسطينيين في أراضيهم، واحتساب أجر الرباط في سبيل الله، وتبيين خطورة الهجرة من فلسطين، بسبب الحصار الاقتصادي، وترك هذه الأرض على الإطلاق، فإنَّ هذا الأمر من أمنيات اليهود ومقاصدهم الخبيثة لتهجير الفلسطينيين من بلادهم. 15- بيان عمالة العملاء وخيانة المنافقين، وتبيين سبلهم في ذلك وطرقهم، وفضحهم بعد التثبُّت من ذلك على رؤوس الأشهاد، ليهلِك من هلك عن بيِّنة ويحيا من حيَّ عن بينة، كما أنَّ من المهم معرفة عامة الشعب الفلسطيني الطرقَ الخفيَّة التي يستخدمها اليهودُ لتجنيد بعض المهزوزين ليقوموا بالعمالة لهم وخدمتهم. 16- خطورة عمل الفلسطينيين في المغتصبات أو ما يسميها اليهود المستوطنات اليهوديَّة، وأنَّ عمل العمَّال الفلسطينيين في منشآت اليهود، يعني زيادة تثبيت وجودهم على هذه الأرض المقدَّسة، وهم ظلمة في اغتصابهم لأراضينا، وليس لهم حق بأن نسعى لبناء بيوتهم أو خدمتهم، هذا عدا محاولات اليهود لمن يعمل معهم من الفلسطينيين بإسقاطهم في الفساد الأخلاقي، أو الخيانة لدينهم وأرضهم. 17- من المهم ألاَّ يجد اليأسُ طريقاً للوصول لأنفسنا وقلوبنا، فإنَّه علامة الانهيار النفسي، وعدم مواصلة واستكمال الجهد والجهاد في طرد المحتل، وإثارة روح التفاؤل بدلا من ذلك، والاستبشار بقرب نصر المسلمين على اليهود، وأنَّ كثرة هجراتهم إلى أرض فلسطين لا يعني سوى أن يقعوا في أتون المحرقة التي تنتظرهم، بل إنَّ كثيراً من اليهود يعلم ذلك جيداً. 18- ذكر هذه القضيَّة في المجامع، ونشرها في أوساط الناس، واستضافة الخبراء بها، ليتحدَّثوا عن هموم هذه الأرض المقدسَّة وهموم أهلها. وكلَّما قرأتُ في سيرة الشيخ المجاهد عبد الله عزَّام - رحمه الله - ينالني العجب من هذا الرجل أيَّما عجب؛ فلقد أقسم على نفسه ما من جلسة يجلس فيها إلاَّ ويتحدَّث فيها عن أحوال المجاهدين الأفغان وقتالهم للمحتل الشيوعي السوفييتي، ووجوب دعمهم، والاهتمام بقضيَّتهم، ومعلوم كيف أثمرت جَلَساتُه وأحاديثه حباً ونصرة لهذه القضيَّة. لقد علَّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلَّم - أنَّ (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، وشبَّك بين أصابعه، وبيَّن لنا - صلى الله عليه وسلم - أنَّ (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). وكل هذه الأحاديث من الجدير بنا أن ننشرها بين الناس، وأن يحفظها الجيل إثر الجيل ليكون حاملاً لقضيته، رافعاً للواء نصرة دين الله، حتَّى لا يلقى الله بلا همٍّ يحمله تجاه قضيَّة من قضايا الإسلام والمسلمين. وأختتم المقالَ بالتذكير بقصَّة القائد البطل، صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - الذي تحنُّ القدس لجهاده العظيم، حين حرَّرها من أيدي الصليبيين، وتأمُل في الجيل القادم أن يكون له الدور المأمول في فك أسرها من قيد الاحتلال الصهيوني، ؛ فقد ذكر المترجمون لصلاح الدين - ومنهم القاضي ابنُ شدَّاد - أنَّ صلاح الدين كان يبكي كلَّما تذكر ذلَّ المسلمين تحت حكم الصليب في القدس والسواحل، وحين أراد أن يفتح مدينة القدس كان لا يطيق النوم ولا يبتسم، ولا يأكل إلاَّ بعد اليوم واليومين بسبب التفكير الطويل في السبيل لتحرير هذه الأرض المقدَّسة، وكان ينظر إلى عكَّا من مكان بعيد ثمَّ يطلق زفرة ألم يعتلج في قلبه، وكان يلتفت كالأم الثكلى التي فقدت وليدها في وجوه قادته ذات اليمين وذات الشمال، ثمَّ يقول: يا للإسلام! يا للإسلام! ثمَّ يقوم بنفسه على صهوة جواده، ينتقل من بلد إلى بلد، ومن مملكة إلى مملكة، يجمع الرجال بنفسه، ويجهز السلاح، ويعد للقتال. يقول القاضي ابن شدَّاد: إنِّي أراه وهو ينظر إلى الأساطيل الصليبية وأنا أَعُدُّها أمامه من صلاة العصر إلى غروب الشمس أسطولاً أسطولاً، وقد رُفع عليها الصليب فبلغت أكثر من إحدى وسبعين مركبة، عليها الرجال مدجَّجين بالحديد، يرفعون الصلبان والأناجيل، ومع ذلك فإنَّ صلاح الدين كان لا يزداد إلاَّ قوَّة نفس، وأملاً كبيراً في استرداد الأرض المحتلة من غاصبيها؛ مع قوَّتهم وضعف المسلمين آنذاك، ولكن: وقلَّ من جد في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلاَّ فاز بالظَّفَرِ وكان - رحمه الله - يعبئ الصفوف، ويجند الجنود، ولم يصلِّ على ولده عندما مات صلاة الجنازة؛ لأنَّ المسجد الأقصى أحقُّ من ولده؛ لأنَّه في يد الصليبيين وقد ذبحوا فيه أكثر من سبعين ألف مسلم، وهذا أحرى بالاهتمام منه بولده. تلك هي النفس العصاميَّة، وهي النفس التي كانت لا تطيق أن ترى الذل والهوان والهزيمة وقت حياتها، إنَّها النفس العصاميَّة المسلمة وكفى. نفسُ عصامٍ سَوَّدت عصاما وعلَّمته الكرَّ والإقداما وجعلته ملكا هماما تلك هي نفحة من سيرة صلاح الدين، الذي كان يحمل الهمَّ، ويصبو لتحقيق الهدف، فأكرَمَ الله مقلتيه ليرى أبواب القدس تفتح ذراعيها له، وتحتضنه هو وجيشه المغوار، الذي غار على القدس أن يدوسها عُبَّاد الصليب، فهل نستفيد من سيرة صلاح الدين في تحريره بيتَ المقدس؛ وأنَّ تحريره لهذه الأرض سبقها بأعمال جسيمة علمياً وسياسياً؛ حين وحد مصر والشام، ثم انطلق بهم موحِّدين مؤمنين نحو جهاد الصليبيين؟ ولنعلم أنَّه لو كان المسلمون في ضعف، فإنَّه يمكنُهم أن يستردوا مجدَهم متى وُجدت الإرادة والعقيدة والقيادة الراشدة والجند الصادقون المخلصون لدينهم وقضيَّتهم، فإذا حصل هذا فلنستبشر بأن يعز الله - تعالى - دينه ويرفع رايته على يد ولي من أوليائه الصادقين، وجنده الميامين. وأمَّا زمننا هذا فللمرء أن يتساءل: هل هانت القدسُ في أعين قادة ورؤساء المسلمين في هذا الزمان؟ فأين أموالهم، وأين قواهم، ليستخدموها أداة لحماية أهل فلسطين؟! أم انعدمت الغيرة من قلوبهم على هذه الأرض المقدَّسة؟ وإذا هانت القدس في أعينهم، فهل تهون القدس في أعين القيادات المسلمة المقصِّرة إلى الآن في هذه الأرض المقدَّسة؟ فالله المستعان، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ به، وحسبنا الله ونعم الوكيل! ولله درُّ الشاعر إذ يقول: يا أمّتي إن قسوتُ اليوم معذرةً فإن كَفِّيَ في النيران تلتهبُ فَكَمْ يَحُزُّ بقلبي أن أرى أُمَمَاً طارتْ إلى المجد والعُرْبانُ قد رَسَبُوا! ونحنُ كنا بهذا الكون أَلْوِيَةً ونحن كنا لِعِزِّ الشَمْسِ نَنْتَسِبُ مَهْمَا دَجَا الليلُ فالتاريخُ أَنْبَأَني أنَّ النهارَ بَأَحْشَاءِ الدُّجى يَثِبُ إني لأَسْمَعُ وَقْعَ الخيلِ في أُذُني وأُبْصِرُ الزمنَ الموعودَ يقتربُ وفِتْيَةً في رياضِ الذِّكرِ مَرْتَعُهُمْ للهِ ما جَمَعوا، للهِ ما وَهَبوا جاؤوا على قَدَرٍ واللهُ يَحْرُسُهمْ وشِرْعَةُ اللهِ نِعْمَ الغَايُ والنَّسَبُ وصدق الله إذ يقول: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشدَّ تثبيتاً * وإذاً لآتيناهم من لدنَّا أجراً عظيماً * ولهديناهم صراطاً مستقيماً} [النساء: 66-67]. ----------------------------------------------------- * نقلاً عن موقع "شهود"