تثير الأرقام والنسب المتضاربة المعلنة عن عدد المصابين بالإيدز في، المملكة الكثير من الجدل في أوساط المجتمع الحائرة بين تحفظات وزارة الصحة التي تؤكد أنهم في حدود 16 ألف مصاب، وبين مبالغة بعض المصادر الطبية الأخرى التي تراهم يتجاوزون 70 ألف مصاب بكثير. فما هو الرقم الحقيقي لعدد المصابين بهذا المرض الخطير في السعودية؟ وكيف يمكن التعامل مع مريض الإيدز؟ وما سبل الوقاية من الفيروس القاتل في بلد كالمملكة، يسافر معظم شبابه لمجتمعات منفتحة؟ وإلى أي مدى يمكن ضبط سلوكيات وممارسات 8 ملايين عامل وافد يأتون للعمل في المملكة من أكثر من 130 بلداً، بعضها يعد وفق المعايير الصحية الدولية من الدول الموبوءة بالإيدز. "سبق" اهتمت بتداعيات مرض الإيدز في المجتمع، وخرجت بالتحقيق التالي:
في البدء تحدث ل "سبق " عدد من الأطباء السعوديين المتخصصين في الطب الوقائي والأمراض المعدية في المستشفيات الحكومية والخاصة، وأبدوا تخوفهم من التكتم الإعلامي الحالي، ومن جهل كثير من الشباب بهذا الفيروس في المجتمع السعودي. وطالبوا عبر "سبق" وزارة الصحة بالإعلان عن الأرقام الحقيقية، والتعامل بشفافية، والتوسع في البرامج التوعوية لهاذا المرض.
سعوديون وسعوديات يتلقون العلاج سراً في الخارج.. والنسبة تؤكد وجود 10 حالات غير معلنة مقابل كل حالة تقول استشارية الأمراض المعدية والإيدز الدكتورة عبير العبيدي: "الإيدز من الأمراض الخطيرة جداً التي لا يوجد لها علاج فعال، ولا تتضح أعراضه إلا في المراحل المتأخرة". وتضيف: "هناك حالات لسعوديين وسعوديات يأتون للمستشفيات وهم لا يعرفون أنهم مصابون بالإيدز، وعندما يعلمون بذلك يذهب المقتدر منهم لتلقي العلاج سراً في بعض الدول العربية والخليجية والأوروبية، فتكلفة علاج مريض الإيدز في المملكة عالية جداً، قد تصل إلى250 ألف ريال سنويا". وتفيد د. العبيدي أن الدراسات توضح أن جدة تسجل النسبة الأكبر، تليها مدينة الرياض فمكة المكرمة وجازان، وترجح وجود 10 حالات غير معلنة مقابل كل حالة معلنة، وأغلب الحالات نتيجة السفر خارج المملكة أو من العمالة الوافدة، وبعض الخدم والسائقين العائدين من إجازاتهم.
الإصابات بالإيدز ليست في الغالب من الممارسة الجنسية بل من بعض محلات الحلاقة و "الحجامة" وعيادات الأسنان من جانبه، طالب أخصائي الطب الوقائي والأمراض المعدية د. خالد الطارق بإعلان الأرقام الحقيقية للمصابين، والحديث بصراحة عن هذا المرض، ووضع برامج أكثر فاعلية للحد من نشر العدوى والفيروس، فالدولة لم تقصر في دعم البرامج. وبحسب د. الطارق فإن الإصابات بالإيدز ليست في الغالب من الممارسة الجنسية بل قد تكون الإصابة من بعض محلات الحلاقة و "الحجامة" أو إبر المخدرات، وفي بعض الحالات من عيادات الأسنان غير المعقمة. وقال: "لا بد من توعية المجتمع بالإيدز للحد من انتشاره، فالإصابات بالإيدز ما زالت في تزايد كل عام".
وكان لا بد من لقاء بعض مصابي الإيدز "رجالاً ونساء" الذين تحدثوا ل "سبق" بشجاعة عن تجربتهم مع هذا المرض الخطير الذي غيّر مجرى حياتهم للأبد، على حد وصفهم.
يقول أبو حاتم من جدة : "إصابتي كانت نتيجة علاقات محرمة داخل المملكة. ولم أكن أتوقع إصابتي بهذا المرض على الرغم مما أسمعه عنه، لكنني وقعت في المحظور، ومنذ سنتين بدأت أشكو من عوارض جلدية، وحكات متكررة تحت الإبطين وبين الفخذين، وبعد الكشف تبين أنني مصاب بالفيروس، حاولت التأقلم لكن حياتي تحولت لعذاب لا يطاق، والعلاج لا يتوفر بسهولة في المستشفيات الخاصة، لكن رحمة الله واسعة". ويطالب أبو حاتم الجهات الصحية والأمنية بمكافحة هذا المرض المنتشر في بؤر الدعارة والمخدرات في جدة، خاصة منطقة "غليل" المليئة بالمتخلفين الأفارقة والعمالة المريضة التي تعلم بإصابتها بالإيدز وتتعمد نشره في المجتمع، كما يقول.
من جانبها، تقول أم خالد من الرياض: "زوجي نقل لي المرض بعد عودته من السفر، أنا ضحية لعلاقاته المحرمة، وأطالب بالقصاص منه لأنه حكم علي بالموت".
وتحذر أم ياسين قائلة :" أصبت بالإيدز من أحد المشاغل عند ثقب أذني وأنفي للزينة، لأن الإبر كانت ملوثة بالفيروس، والعاملة كانت متعمدة كما اعترفت للجهات الأمنية". وقال أبو عبدالله: "أنا مصاب نتيجة علاقة محرمة أثناء الدراسة في الخارج منذ 3 سنوات، وأعاني حالياً من هزال وضعف عام وزكام مستمر، وأطلب من الله العفو والمغفرة". ويضيف أبو عبد الله: أنتظر اكتشاف علاج فعال، فالأدوية الحالية مكلفة جداً وبلا نتيجة ولا تقدم إلا في المستشفيات الحكومية، وإجراءاتها صعبة. والمجتمع لا يعطي المصابين حقوقهم ولا أحد يتفهم حالتهم، ونعيش منبوذين من الجميع، على حد وصفه.
مصابة بالإيدز: أطالب بالقصاص من زوجي لأنه حكم علي بالموت ومن الحكايات المأساوية التي يتم تداولها في المجتمع حول هذا المرض.. سعودية أجرت تحليل دم وتبين أنها مصابة بالإيدز، فحاول زوجها قتلها في المستشفى لشكه في أخلاقها، إلا أن رجال الأمن منعوه، وبعد التحقيق معها اعترفت بإقامة علاقة محرمة مع عامل توصيل طلبات مطعم كان يتردد على المنزل. وكذلك قصة مؤلمة لحلاق فلبيني في الرياض يقيم متعمداً علاقات محرمة مع عدد كبير من زبائنه الشباب، لينشر المرض بينهم. وقصة إجرامية لسعودية تمارس العلاقات المحرمة في الرياضوجدة مع أكبر عدد من الرجال دون أي مقابل، وهدفها نشر الإيدز انتقاماً منهم.
ولإلقاء مزيد من الضوء على ما يدور في المجتمع السعودي حول مرض الإيدز التقت "سبق " رئيسة مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الإيدز، المشرفة على قسم المناعة في وزارة الصحة د. سناء فلمبان، التي قالت: "أشكر "سبق" على طرح هذا الموضوع المهم، فالإعلام المسؤول شريك أساسي في الحد من هذا المرض".
رئيسة الجمعية الخيرية لمرضى الإيدز: المملكة الأقل نسبة في الإصابات بالإيدز في العالم وبسؤالها عن الأرقام الحقيقية لعدد المصابين بالإيدز في المجتمع السعودي، قالت الدكتورة سناء: "في الحقيقة لا يمكن أن نتكهن بالرقم الحقيقي للمصابين بالإيدز في أي مجتمع، حيث إنه قد يكون هناك عدد من أفراد المجتمع مصابين بالفيروس ولا يعلمون عن إصابتهم، والأرقام التي يتم الإفصاح عنها هي عبارة عن عدد الحالات التي تم الإبلاغ عنها فقط، وعموماً المملكة تعتبر الأقل نسبة في الإصابات بالإيدز في العالم، وضمن معدل منخفض واحد إلى اثنين لكل عشرة آلاف شخص.
وحول دور وزارة الصحة في مكافحة هذا المرض وتوفير العلاج للمصابين، أكدت د. سناء أن وزارة الصحة تبذل الكثير من الجهود لمكافحة هذا المرض، وفي علاج الحالات المصابة حيث خصصت مستشفى الملك سعود بجدة، وثمانية مراكز للعلاج في الرياضوجدة وجازان وعسير والجوف، ومناطق أخرى. و 22 مركزاً للفحص الطوعي وللمشورة، تقدم من خلالها العلاج والفحوصات المجانية وخدمات الرعاية الصحية ممن يشملهم النظام بمجانية العلاج الفيروسي.
وعن دور الجمعية في مكافحة هذا المرض، تقول د. فلمبان: "الجمعية تعمل مع المريض أو أسرته أو أفراد المجتمع بشكل عام من خلال عدد من الأنشطة وباقة الخدمات النفسية والاجتماعية والسلوكية، لا يوجد ما يمنع المتعايش مع فيروس الإيدز من ممارسة حياته الطبيعية، مثل الزواج والعمل والدراسة وممارسة الرياضة والمشاركة في النوادي والتجمعات الشبابية وغير ذلك".
وتقول الدكتورة سناء: "من الجيد أن نجد حالياً نماذج إيجابية من المصابين بالإيدز يتحدثون للإعلام عن حالتهم ويطالبون بحقوقهم الإنسانية أو الاجتماعية".
وفي البعد الاقليمي لهذا المرض، أوضح أ.د. توفيق خوجة المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون ل "سبق " أن معدلات الإصابة بالعدوى بين السكان في دول الخليج هي الأقل، وهي في حدود 2 لكل 100 ألف نسمة.
وحذر خوجة من وجود عدد من السلوكيات الخطرة توجب اتخاذ إجراءات للحد من انتشار الوباء على نطاق واسع، وانخفاض مستوى المعرفة العامة حول الإيدز، وزيادة استخدام المخدرات عن طريق الحقن، والعمالة الوافدة المصابة من البلدان الموبوءة.
وكشف خوجة أن وزارات الصحة بدول الخليج اتخذت الإجراءات للحد من انتشار هذا الوباء، مثل إيقاف استيراد الدم من الخارج، والمراقبة والفحص الطبي الشامل لكافة العاملين القادمين للعمل في دول المجلس، وتكثيف جهود التوعية بين الشباب، وتنمية المفاهيم الأخلاقية للحياة، وتقوية الوازع الديني.