تلقيت خلال الأسابيع الماضية، العديد من الاتصالات والرسائل من القراء الكرام؛ طالبوا فيها بإلقاء الضوء على تجاوزات بعض المدارس العالمية (International school)، ولفت انتباه مسؤولي التعليم لمخالفاتها العديدة، وتوخّيا للموضوعية، فقد حرصت على تقصّي الموضوع من مصادر متعددة، أجمعَت على كثرة تجاوزات معظم مدارسنا العالمية. والمؤكد هو أن الشكوى المتكررة لقطاع متزايد في المجتمع من تلك المدارس ليست من قبيل المبالغات، بل لها أسبابها الموضوعية التي يمكن تلخيصها في أن معظم المدارس العالمية العاملة في المملكة قد (تنمّرت) على أولياء أمور الطلاب؛ يحدث ذلك معزل عن رقابة (حازمة) من وزارة التعليم التي كان ضعف بنيتها التعليمية هو أحد أسباب تزايد انتشار تلك المدارس في المملكة وحرص الكثير من الأسر على إلحاق أبنائها وبناتها بها؛ أملا في زيادة جودة تحصيلهم العلمي واللغوي والتربوي، تعويضا للخلل الواضح في مناهج التعليم العام؛ بشقيه الحكومي والأهلي. وقد لا يعلم البعض أن المدارس العالمية أنشئت في البداية لتعليم الطلاب الذين يعيشون في خارج بلدانهم الأم من أبناء الجاليات الأجنبية؛ لذلك تعتمد تلك المدارس على مناهج تعليم دولية تختلف عن مناهج البلدان التي تتواجد فيها؛ الأمر الذي يتيح انتقال الطالب بسلاسة للتعليم في المدارس المشابهة بمختلف دول العالم، ومن أهم ما يميزها ما يلي: 1. كون الدراسة فيها بلغات أجنبية؛ في مقدمتها اللغة الإنجليزية. 2. تنوع جنسيات كادرها التعليمي. 3. تركيزها على المواد العلمية والتطبيقية. 4. خلوها من الحشو المعتاد في مناهجنا. 5. قدرتها على حفز الملكات الفكرية للطلاب، وتعويدهم على التعايش في بيئة متعددة الثقافات. العوامل السابقة جعلت طلاب المدارس العالمية أكثر قدرة على قبول المختلفين عنهم في الأفكار والدين والعرق والجنس واللون والجنسية؛ ولعل هذا هو من أبرز ما نفتقده في مدارسنا المحلية!، لذلك لم يكن غريبا حرص الكثير من السعوديين على إلحاق أبنائهم بالمدارس الدولية لتوفير أفضل فرص تعليم ممكنة لهم محليا، والاستفادة من النهج التعليمي المختلف كثيرا عما تقدمه مدارس تعليمنا العام؛ سواء في الأهداف والمناهج أو في المرافق والأنشطة، الأمر الذي سرعان ما تظهر نتائجه الإيجابية عند التحاقهم بالتعليم الجامعي، وقد تزايد التحاق الطلاب السعوديين بالمدارس العالمية بعد قرار وزارة (التربية والتعليم) في سبتمبر 2013 القاضي بالسماح للمواطنين بإلحاق أبنائهم بمدارس لا تعتمد (العربية) إلّا في مناهج الدين واللغة العربية. ولا تتوقف تجاوزات معظم المدارس العالمية على ارتفاع رسومها المبالغ فيها لحد كبير؛ إذ تصل التكلفة السنوية لتعليم طفل في المرحلة الابتدائية في بعضها إلى 60 ألف ريال؛ وهو مبلغ يعادل تكلفة سنة دراسية لطالب جامعي في كلية خاصة! وإنما ترتكب تلك المدارس جملة من المخالفات الأخرى؛ دينية ونظامية واجتماعية وحضارية ومنهجية منها: 1. عدم الاهتمام (كليا أو جزئيا) بالمواد والشعائر الدينية للطلاب (المسلمين) وأولها الصلاة. 2. التساهل في تعليم اللغة العربية للطلاب الناطقين بها. 3. إعلاء القيم والنماذج الغربية، وإهمال التاريخ والثقافة والحضارة الإسلامية وهو ما يؤثر على هوية وقيم الطلاب الصغار. 4. الزيادة (السنوية) المستمرة على الرسوم الدراسية (الباهظة أصلا)؛ دون وجود مبررات (منطقية) لتلك الزيادات. 5. وقف إعطاء الخصومات المعتادة على رسوم الدراسة في حالة وجود إخوة في المدرسة. 6. تنمية النزعة الاستهلاكية والفوقية في نفوس النشء بتركيزها على القيم المادية البحتة وهو ما يجعل الأطفال مهتمين منذ الصغر بالماركات والمقتنيات الثمينة، وينظرون بتعالٍ لزملائهم الذين لا يمتلكون مثل تلك الأشياء غالية الثمن. 7. التساهل في تقييم النتائج الدراسية للطلاب الذين يحصل معظمهم على درجات التفوق؛ قبل أن يكتشف الأهالي ضعف مستوى الأبناء خلال اختبارات القبول في مدارس أخرى؛ في حال قرروا نقلهم من مدارسهم! 8. الارتفاع الكبير في أسعار الكتب واللوازم الدراسية الأخرى. 9. فرض رسوم تسجيل عالية جدا مقارنة بالمدارس الخاصة. 10. فرض رسوم على اختبارات القبول دون أن يتم خصمها من رسوم التسجيل! وإعادة تلك الاختبارات لأكثر من مرة لتبرير طلب مقابل مادي لكل اختبار! 12. وضع مواصفات خاصة للزي المدرسي (Dress code) لإجبار الأسر على شراء الزي المرتفع الثمن من المدرسة، رغم رداءة المواد المستخدمة في تصنيعه. 13. ارتفاع أجور المواصلات بشكل كبير لتصل إلى 2000 ريال في التيرم للطفل الواحد الذي قد لا يبعد منزله عن المدرسة مسافة 500 متر. 14. اعتماد وجبات طعام غير صحية وغنية بالدهون والسكريات والمنكهات والصبغات. 15. محدودية فرص العمل التي تتيحها للمعلمين السعوديين المؤهلين بشكل كبير، وضعف الأجور التي تدفعها لطاقم التعليم من الجنسيات العربية. 16. استخدام الطلاب للضغط على أسرهم لدفع مبالغ مرتفعة مقابل مشاركتهم في مناسبات مدرسية أو زيارة بعض المرافق الترفيهية التي لا تضيف الكثير لثقافة ومعلومات الطلاب. وعلى ضوء التجاوزات السابقة، فإن الكثير من أولياء أمور الطلاب الذين ألحقوا أبناءهم بتلك المدارس باتوا مقتنعين بأنها تحولت إلى مدارس (بزنس) فقط بعد أن أصبحت مجالا مفضلا لبعض المستثمرين الجشعين الذين لا هم لهم سوى البعد التجاري فقط. [email protected]