طاهر الزهراني الكاتب المتمكن من التعلق بشخوص رواياته بطريقته الخاصة والمنطلق من شعبوية الأماكن التي عايشها لوقت ليس قصيرا، يجنح تارة للحب وتارة أخرى يستقيم قلمه لقسوة الدهشة صامداً أمام اللغة وعوالمها، ينحاز طاهر الزهراني للفن والأدب في تقييم الأعمال الأدبية، لا مجاملات ولا تضليل ولا حتى تدليس، واضح وصريح، يؤمن أن المتذوق الحقيقي لا يمكن له أن يخون المؤسسة الأدبية والفنية. القارئ لطاهر الزهراني يتطلع لمعرفة أقرب أعماله إلى قلبه؟ أثناء الكتابة أكون متعلقاً بما أكتبه، الأجواء، الأحداث، تقمص الشخصيات، بعد الانتهاء من أي عمل، خصوصا عندما أدفعه للناشر، تكون علاقتي به قد انتهت، ربما أعود له بعد النشر لمجرد النظر فقط، لكن الرواية الأقرب لقلبي من بين أعمالي «أطفال السبيل» فقد سكنتني طويلاً، وعملت عليها طويلا بخلاف رواياتي الأخرى، فقد بدأت كتابتها في وقت متقدم ثم تركتها سنوات، وعندما عدت لها نقضتها وكتبتها من جديد، فأصبحت عملاً آخر من حيث الشكل والمضمون، الشخصيات فيها كانت قريبة مني «طلال» و «قمر» و «ناجي» وكذلك «الغراب الأعصم» الذي جعلني أتتبع عوالمه في الماضي والحاضر، مع تقليب كتب التراث، مع بعث الأسطورة في العمل، لهذه الأسباب، وربما لحيثيات أخرى لا يحيط بها القارئ تجعل هذه الرواية أقرب الأعمال إلى قلبي. تتحدث في رواياتك وقصصك عن أكثر الأماكن التصاقا بالناس البسطاء، ماذا تريد أن تنقله إلينا؟ ماذا تحب أن تضيفه رواياتك لمخيلة القارئ؟ أرى أن النص الأصيل هو النص الذي ينطلق من بيئة الكاتب، النص المحلي هو ما أعول عليه، قد أقرأ لأحدهم رواية تاريخية، أو خيالا علميا، وقد تكون جيدة، لكن لا أستطيع أن أحكم على تجربته وبراعته إلا من خلال نصه المحلي. كقارئ قد أقرأ رواية تاريخية لباموك، أو إيكو، أو شفق، لكن هذه الرواية لن تجعلهم الأفضل في نظري حتى أقرأ لهم أعمالا من بيئاتهم التي يعيشونها، لهذا هناك كتاب مازالوا معلقين عندي. ككاتب أنا أكتب عن الأماكن التي أعرفها والتي عشت بها، أنا في النهاية ابن الحواري الشعبية، والأحياء الفقيرة، قضيت فيها سنوات عمري، وترعرعت بها، ولا أبالغ أن ذاكرة القص والحكي تغرف من نبع تلك الأماكن. وربما قراءة الأدب الروسي في البدايات، ثم الأدب المصري بعد ذلك كان له أكبر الأثر على التجربة، أتوقع من يقرأ أعمال غوركي، وتشيخوف، ويوسف إدريس، وإبراهيم أصلان سينحاز بشكل أو بآخر أن يكون كاتباً محلياً. وفي تجربتنا السعودية تبقى أعمال عبده خال ورجاء عالم هي الأبرز لعدة أسباب، منها كونها منطلقة من بيئة كتابها. إن كنت أسعى لشيء من خلال أعمالي فهو نقل تفاصيل الحياة البسيطة وأناسها إلى الأدب بفن. من أي منظور يجب أن يحكم القارئ على الرواية التي بين يديه؟ من خلال ذائقته الخاصة، والتي من المنبغي أن تكون منحازة للفن، بعيداً عن الصداقات والمجاملات، والانطباعات المضللة، وهو أمر من الصعوبة بمكان، فبعضهم قد يروج لعمل هزيل من باب الصداقة، ومن مبدأ الشلة، وقد يدري أو لا يدري أنه يقوم بخيانة، وجريمة في حق الأدب والفن. القارئ الجيد يكون محصناً ضد عمليات التدليس والتضليل وكل وسائل الدعاية الرخيصة التي يقوم بها بعض المدعين. صحيح أن الذائقة متفاوتة، لكن هناك حد أدنى للجمال، يدركه كل إنسان يعرف الأدب. في النهاية القارئ الجيد يثق بذائقته، حتى وإن ذاق بعض الاغتراب بسبب اختلافه مع الذائقة الجمعية، الغربة أفضل من خيانة الذائقة. لماذا يغيب صوت المثقف في شهر رمضان؟ ربما ينصت لصوته الداخلي.