قبل ما يزيد على أربعة عقود تم استحداث وزارة الإسكان والأشغال العامة لأول مرة، واستهلت هذه الوزارة الوليدة باكورة مشاريعها (وآخرها) ببناء المجمعات السكنية (طيبة الذكر) في كل من الرياضوجدة والدمام وبقيت هذه المباني شواهد تذروها الرياح على مدى عقدين من الزمن إلى أن تم تصريفها ب«حب خشوم» عن طريق صندوق التنمية العقارية ولم تكن لتلائم آنذاك متطلبات الأسرة السعودية خلاف التكاليف الباهظة التي تكبدتها الخزينة العامة لصالح شركات أجنبية، ولو قدر أن صرفت هذه المبالغ للصندوق مباشره لتجنبنا هذه اللفة الطويلة التي استغرقت ربع قرن، وفي نهاية المطاف عادت المسألة إلى نقطة ما قبل الصفر. اليوم وبعد ما يقارب نصف قرن تتكرر هذه الحكاية بصورة نسخة أخرى منقحة، وعلى نطاق أكبر، بعد أن مرت السنوات الخمس المنصوص عليها نظاما لبناء هذه الوحدات مع ما صاحب هذه النسخة الجديدة من «كركبة» إدارية ومالية أعيد فيها إنتاج الوزارة القديمة في صورة هيئة ثم صعدت إلى وزارة، ثم ما لبثت أن ألحقت بها كل المخططات السكنية التي سلخت من هياكل البلديات وهي لا تمتلك التجربة ولا الخبرة، وضاعت هذه الوزارة بين تجاذبات ومتناقضات عديدة حيث لا بنية تحتية من الأنظمة والتشريعات ولا مقاولين مهنيين ولا مخططات جاهزة ومطورة، وتشتت دورها بين التطوير العقاري والمقاولات وتأهيل البيئة التنظيمية والتشريعية، حتى أصبح هذا القطاع حقلا للتجارب والتغيير في الأنظمة والإستراتيجيات بحيث لم نعد قادرين حقيقة على متابعة الأحداث وفهم ما يجري من تحولات على أرض الواقع. وعطفا على التجربة الأولى التي آلت فيها كل وحدات الإسكان إلى الصندوق العقاري وإلغاء هذه الوزارة برمتها من الخدمة وتشتت طواقمها، ألم يكن من الواجب الاستفادة من تلك الدرس القديم والمتمثل بعدم جدوى دخول هذه الوزارة على خط السوق، سواء بالبناء أو التشغيل، رغم كل النداءات بضخ ال250 مليارا في الصندوق العقاري لخدمة من كانوا على قوائم الانتظار وتحقيق الهدف المطلوب بطريقة أقصر وأقل كلفة ولكي تتفرغ الوزارة أيضا لدور أهم من المقاولات كأن تكون Regulator إلى أن تبني ذراعا لها على هيئة مؤسسة أو شركة عامة لتقوم بالدور التنفيذي إذا كان لا بد لها من ذلك وبالتالي الاستفادة القصوى من هذا المبلغ خلال الفترة التي حددها القرار الملكي بوجود القالب التنظيمي المجرب والجاهز (الصندوق العقاري). الآن وبعد انتهاء المغامرة الثانية بفشل أراه أكبر وأمر، ودون أن يتحقق الهدف المعلن المؤطر - على غير العادة - بفترة زمنية معلومة، حيث لم يتحقق بناء وتسليم ولو 8% من هذه الخطة فقدت معها الوزارة هويتها كما أصبحت واقعة تحت طائلة رهاب اجتماعي مخيف بعد أن استحوذت على النصيب الأكبر من اللوم والتهكم والتقريع في الصحافة المحلية وأدوات التواصل الاجتماعي على وجه العموم. [email protected]