متى ننعم بحياة آمنة خالية من إسقاطات بعض أفرادها؟ وكيف نشعر بقيمة العمل إذا لم يخل من التسلط والدكتاتورية، وكأنك تأخذ أجرك بقيود من الإهانات، مما يجعلك تلفظ تلك اللقمة التي أصبحت لها أنيابا تنهش كرامتك كإنسان قبل أن تشبع جوعك، فأنت مجبر أن تنفذ ما يرضي الأطراف حولك والذي لا يمت بِصلةٍ للمنفعة العامة، ولكنه بلسم لمن يعتقد أن المنصب سلطة يجوز لهم فيها ما لا يجوز لغيرهم. هناك مسؤوليات لم يعد يعيها الكثيرون، لم يعد الضمير الحي في محل «الرفع»، فقد أسقط نفسه ليتحول إلى «نصب».. فهم يسعون بشتى الطرق إلى إرضاء أنفسهم والمكابرة عن الأخطاء والتمادي فيها، بعد أن ظهر الوجه الآخر للنفس البشرية. تلك الفئة وهي قليلة لا تناقش عيوبها ولا تتقبل التصحيح، فإنها -حسب تفكيره- لا تسمع من الأصوات إلا صوت الغرور المحتشد داخلها. كأنهم حجارة وإن تحركت أجسادهم.. أو علت أصوات صدورهم عند الشهيق والزفير. لا بد أنْ يفهم الموظف أن أداء عمله على أكمل وجه هو من باب الواجب والثواب قبل أن يكون عليه أجر ماديّ.. فما تأخذه من الله هو الباقي وما غير ذلك مجرد ملذات تنتهي بموتك، ووجودك في تلك الحفرة التي بالكاد تحوي جسدك، فأنت داخلها في ضيق.. تحتاج إلى أبسط ثقب تستطيع أن تتنفس من خلاله.. وذلك الثقب هو الإخلاص والتفاني في سبيل الشعور بطعم ما تأخذه من أجر مقابل هذا العمل، فما كلّفت به هو أمانة بين يديك عليك أن تكون حريصا أشد الحرص عليها، فأنت محاسب أمام الله أولا وأخيرا، وهو لا يغفو إذا غفت العيون. ولكن ما يؤلمني أكثر هو أن نرى من يخالفون الأنظمة وقوانين هذا البلد ونتستر عليهم بحجة الجهل وعدم المعرفة، ونحن ندرك أن ما قام به لم يكن من باب الجهل ولكن من باب مغافلة من سلمهم تلك الأمانات.. يستهينون بأبسط الأشياء ونحن نعلم أن النار من مستصغر الشرر، عندما يغيب العقاب فقد يتكرر الذنب وتستشري المخاطر، وعندما يضع الظلم قدمه على الأرض فهي تتحول إلى بور.. وعندما يتستر الأب على ابنه والمعلم على الطالب والمدير على المعلم والمشرف على المدير فكيف يستقيم اعوجاج النفوس؟ وكيف تكون هناك رؤيا لغد مزهر؟ سارا علي