ليس مستهجنا ولا مستغربا أن يذعن إنسان لظروف ومعطيات واقعية لا مناص من الإذعان لها. وليس بالمستبعد أن يتحرك شخص وفق رؤية وفتوى منظّر يدّعي أنه أعلم بدين الله من كل خلق الله، أما أن يفرط في حياته استجابة لحلم رآه في منام فتلك من المؤشرات على معاناة المتطرفين والإرهابيين نفسيا، والشواهد تؤكد هوس المتطرفين بالأحلام، فأبومصعب الزرقاوي انتقل من عالم الجريمة إلى جماعات التكفير والتفجير بسبب منام رأته أخته. وبعض منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر اعتمدوا على المنامات وجعلوها مؤشرا إيجابيا على صحة توجههم، فيما ترى بعض المذاهب الإسلامية أن الاعتماد على الأحلام والمنامات من البدع والضلالات غير المأثورة شرعا ولا أصل لها عقلا، ويذهب (المعتزلة) إلى عدم الأخذ بالأحاديث المروية في شأن الرؤى. وعدّت الحلم واليقظة ضدان لا يلتقيان، وعليه لا يمكن إدراك مسائل مادية أو حقائق ثابتة عن طريق الأحلام، كون قدرات العقل أثناء النوم غير قدراته في اليقظة. فيما يرجح المحدثون أن الرؤى لا تعدو أن تكون مبشرات أو منذرات فقط، أو رؤى نفسانية وهو ما يعبر عنه بحديث النفس أو شيطانية المصدر. وأخيرا دخلت الأحلام وتسللت داخل الأبنية العميقة لحياة المسلمين الاجتماعية والدينية. ويؤكد الباحث ناصر الحزيمي أن خطر المنامات ليس في ذاتها وإنما يتمثل في توظيفها الديني عندما تتحول من تجربة ذاتية لشخص ضمن ظروف وسياقات نفسية محددة إلى سلطة قادرة على البت في مسائل دنيوية وإلى مرجع يصل إلى حد التشريع كما تفعل بعض الجماعات المتطرفة التي تحرك أفرادها والمنتمين لها بالرؤى والأحلام. ويرى الحزيمي أن تفجير النفس اعتمادا على هذه المنامات هوس يؤكد تأثير خيالات وأوهام في أنفس المفجرين. لافتا إلى أن النبوءات التي ترتبط ببعض الأحلام لا تزال محل جدل، وهناك ما يدل على وجود تفاعل بين العقل الإنساني والبيئة المحيطة به من خلال العقل الجمعي والتأثر بالأحداث العامة، مثل حالة الحرب أو الرخاء. وأبدى الحزيمي تحفظه على إحالة التفجير على الأحلام والمنامات فقط. مضيفا: «هناك مرجعيات للمتطرفين ولها أدبياتها التي تدعو إلى تفجير النفس حتى لا يظفر رجال الأمن بالمعلومات المتوفرة لديهم». وعد الحزيمي التحايل على النصوص والتلاعب بالمقدس آلية من آليات عمل الجماعات الإرهابية. فيما عد الاستشاري النفسي الدكتور علي الزهراني الأحلام والمنامات من الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها بعض المرضى النفسيين لتنفيس المكبوتات وتخفيف التوتر. ويرى أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة تجنح إلى استثمار آلية الرؤى والمنامات لتحفيز الاتباع ودفعهم نحو الخروج على ولاة الأمر والعبث بالأمن. مشيرا إلى خطر تبرير هذا التوجه نحو العنف بالمنامات. وخلص إلى أن أغلب مرويات الأحلام المتداولة بين المتطرفين والمتحمسين لهم نوع من البروباغندا التي يصنفونها هم في خانة المبشرات والرؤى وهي أبعد ما تكون عنها.