يطالعك في تويتر كمٌ من الأسماء الوهمية التي تستفرغ ما تلوكه خلف الشاشة المضيئة، فتستشعر من ذلك بقرف متناهٍ، وشفقة تماثلها على حال من يصدقونهم ويلهثون وراءهم، كما يلهث كلب الراعي خلف قطيعه -عفوا تغريداته-. العجيب أن كثيرا من تلك الأسماء الوهمية يتبعها شريحة كبيرة أشبه ما تكون في ردود أفعالها بالقطيع، إذ لا تعرف الأسماء الحقيقية لأصحاب تلك الأسماء، ولا انتماءاتهم الدينية، أو حتى توجهاتهم السياسية... فقط اُتّبعوا لأنهم أجادوا التلويح بثلاث ورقات تصنع المعجزات والأتباع وهي: الوقوف ضد الليبرالية، ضد الشيعة، وضد تمكين المرأة! هذه الورقات كفيلة بأن يستبسل حتى المدمن الذي يود دخول الجنة بأسهل الطرق فيحب الصالحين وهو ليس منهم، معتقدا وهو في غيبوبته الإدمانية أن خلف تلك الشاشات منافحين عن الدين، بينما هم أعداء لدينه ومجتمعه. الورقات الثلاث أصبحت إستراتيجية يتبعها حتى من لديه هوس الأتباع لا المتابعين، بالضبط كما فعل الملالي في إيران وخدعوا الشعب الإيراني طيلة أربعين عاما وهم يرفعون شعارات (الموت لأمريكا.. أمريكا الشيطان الأكبر).. بينما مليارات إيران -اليوم- تضخ خارج إيران للاستثمار الأجنبي من باب تحسين العلاقات، والإيرانيون على بساط الفقر ويهتفون (الموت لأمريكا)!. قصص التغريب والليبرالية والصهينة يصدقها القطيع وأولئك الذين درجوا في تربيتهم ومعاشهم على التلقين والتلقيم. ويظنون أنهم بوقوفهم الأخرق مع المُلا الوهمي سيدخلون الجنة حتى لو ارتكبوا كل المعاصي، متجاهلين أن المؤمن الحقيقي هو الكيس الفطن.. لا الذي يُلقّم لُيلقن. إن مهمة تحويل القطيع إلى بشر يفكر لن تتم بين ليلة وضحاها، بل تتطلب رؤية فذة ونافذة، فالرؤية الفذة إن لم تكن نافذة ستكون مثل «حطب العمياء»، لذا دوما، تجد التنويري يتبع الرؤى الفذة، ويمنحها من جهده واسمه الحقيقي ما يساهم في نفاذها حتى وإن اُتهم بالتخوين وأقذع الشتائم فهو لا يتأثر بالأتباع ولا يثيره القطيع. إن بدايات التحول تتطلب جهدا خلّاقا لبناء معرفة تراكمية للإنسان تُخرجه من عباءات النظريات القديمة التي لا تخدم إلا مصالح الآخرين السياسية، وتهدف إلى قتله هو وبنو جلدته اجتماعيا واقتصاديا، ثم تلقي به كما يلقى الفأر الميت محاطا بالثلاث ورقات التي مُزقت حوله.