مضى نحو نصف قرن على أول خطة خمسية بدأت فيها المملكة العربية السعودية، حيث كانت تعتمد على النفط كمصدر قوي للدخل، مما أوجد هاجسا كبيرا وقلقا عميقا على مستقبل الأجيال القادمة والاقتصاد الوطني في ظل التحديات العالمية الحالية إلى أن جاء العام 2016 لتبدأ المملكة نهجا جديدا وبخطط تطويرية ثابتة تهدف من خلالها إلى الوصول نحو الريادة العالمية، وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل بما تملكه من ثروات بشرية معظمها من فئة الشباب، يُساندهم في ذلك الثروات المادية الأخرى التي تزخر بها البلاد ولم يتم استغلالها حتى الآن. وقد جاءت موافقة مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين على مشروع رؤية المملكة 2030 وتوجيهه -حفظه الله- مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برسمها بما يواكب طموحات السعوديين ويناسب المكانة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية. حيث منحت هذه الرؤية 2030 التي تحدث عنها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان المواطن السعودي الفخر والاعتزاز والطموح والتفاؤل في المستقبل، فقد أكدت الرؤية العمق الفكري ووضوح الهدف لدى صانع القرار بما نملكه من مقومات متعددة توصلنا إلى قمة الريادة، وأبرز هذه المقومات الموقع الإستراتيجي للمملكة، فهي بوابة العالم ومركز ربط القارات الثلاث مع بعضها البعض، بالإضافة إلى العمق الإسلامي والعربي الذي يُسهم في نجاحنا، كما أن الرؤية تعتمد أيضا على عنصر القوة الاقتصادية والاستثمارية للمملكة، فهي تمتلك ثروات أخرى غير البترول سيتم استغلالها والعمل على تطويرها، فالنفط يجب ألا يكون الشريان الوحيد الذي يُغذي الدولة، بل علينا استعمال شرايين أخرى نضخ من خلالها مقومات الاقتصاد الفعال والناجح مع استخراج المعادن المكنوزة في باطن الأرض كالذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها، بالإضافة إلى الاستفادة من توفر بدائل الطاقة المتجددة. فتحويل شركة أرامكو مثلا من شركة لإنتاج النفط إلى عملاق استثماري عالمي يرفد الاقتصاد الوطني، ويسهم في التأثير وتحريك الاقتصاد العالمي، وهذا سيرسم المملكة عملاقا اقتصاديا في خارطة العالم، كما يحفز ركود الشركات السعودية ويدعمها لتصبح ضمن الشركات العملاقة عابرة القارات. فالرؤية كانت شاملة ويتضح ذلك من اهتمامها بجميع الأركان التي تُبنى عليها الدولة الحديثة ذات التراث الزاخر بالمعطيات الدينية والثقافية والسياسية، وكذلك الاقتصادية، فمكانتنا الإسلامية وعمق المملكة في العالم العربي، وأيضا قوتها الاقتصادية، هي المؤهلات التي تجعلنا نضمن -بإذن الله- النجاح لها وأنها نقلة حقيقية نحو آفاق المستقبل، خصوصا إذا رأينا الطريقة التي رسمت بها وتأكيدها على أن الأمة السعودية هي المحور الرئيس والمرتكز الأساسي الذي تنطلق منه وبه تتقدم وتصل إلى الهدف المنشود، فالسعوديون والسعوديات هم الذين سيحملون راية المستقبل؛ لأن الدولة لا يمكن أن تنهض وحدها بكل هذه الرؤية، كما أن الاعتماد الكامل على اليد العاملة من خارج البلاد يُوقعنا في إشكالات تنموية مستقبلية قد تعيق المسار الحقيقي للرؤية، فهي تحتاجنا جميعا رجالا ونساء في أن يقوم كل واحد منا بمهامه التي رسمت له، وهذا يتحقق من خلال استشعار المسؤولية والنظر للوطن على أنه كيانٍ واحد نتكامل من خلاله وفي تكاملنا وطريقة أدائنا نصل إلى القمة، فالأمانة المحمدية جاءت بعد دعوة سيدنا إبراهيم ثم توفيق الملك المؤسس في لم الشتات وتوحيد البلاد واستمرار النمو والتطور إلى أن جاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ليرسم لنا الرؤية نحو المستقبل بمعاونة ساعديه المحمدين، والآن جاء دورنا كمواطنين للنهوض في بلادنا، فمستقبل المملكة أصبح أكثر إشراقا من خلال ثرواتها البشرية والطبيعية والمكتسبة، ومن خلال قيادتها الرشيدة التي تُسخر الحاضر لخدمة المستقبل.