لا أعتقد أنه يوجد أحد لا يحفظ بيت أمير الشعراء أحمد شوقي (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا)، كان ذلك البيت حاضرا في كلمة اليوم في الإذاعة المدرسية وتزين به جدران المدارس من الداخل والخارج ويتصدر الصحف المدرسية المعلقة على جدران الفصول، والأهم من ذلك أنه يترجم في المواعظ التي كنا نسمعها من معلمينا داخل الفصول المدرسية، فكان التركيز على المحافظة على منظومة الأخلاق والتي يأتي على رأسها حفظ اللسان وصيانته من البذاءة واستخدام المفردات القبيحة ونبذ كل من يتمرد على تلك المنظومة الأخلاقية اجتماعيا. لكن بعد انحسار تأثير وسائل التربية التقليدية وتنامي الوسائل الحديثة، ومن بينها وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت تلك القيم الأخلاقية بالتآكل شيئا فشيئا حتى وصلنا إلى مرحلة التطبيع مع سوء الأدب والبذاءة، فنجد من يبرر لها ولاستخدامها في حروبه السياسية أو الأيديولوجية وأعطت تلك المنصات الحديثة لبعض المرضى بأن يستخدمها ليتقيأ بذاءة على من يختلف معه متخفياً خلف اسم مستعار بينما يعظ في اسمه الحقيقي عن عفة اللسان وصيانته وحرمة المساس بأعراض الناس. والكارثة ليس في ذلك المريض الذي يقطر بذاءة وإنما في القطيع الذين يصفقون له ومعظمهم ممن يصفون أنفسهم بالنشطاء السياسيين أو الحقوقيين وتجد أحدهم قد زين (بروفايل) حسابه في تويتر بشيء من تلك النياشين المجانية، وأنه سبق أن وقع على عرائض إصلاحية!! فتخيل أي إصلاح سيجلبه أولئك لنا وكيف سيكون حالنا لو أصبح لهم من الأمر شيء لا قدر الله. تلك الأشباح ستتلاشى مع تطبيق البصمة على شرائح الهواتف وسنكون في كل يوم في سرادق عزاء لأصحاب تلك الحسابات التي بدأوا يموتون فجأة وبشكل جماعي لما رأوا أيدي العدالة تقترب منهم، ولكن الأهم من ذلك الانتباه إلى ظاهرة التفلت الأخلاقي وإعادة ترميم ما تهشم من منظومتنا الأخلاقية من خلال المدارس والمساجد والإعلام وأن نعيد نبذ الخارجين على تلك المنظومة لا أن نرمزهم ونشرّع لهم المنابر ومنصات الوعظ والتوجيه. * كاتب ومحام