وعدت بالحديث عن أرامكو مع رؤية 2030، غير أن الوقت مازال مبكرا، ورغم أن سؤالي الناشب منذ سنين عن التزام أرامكو باستمرار تدفق النفط إلى الأسواق العالمية، ووضعه كشعار على نشراتها التعريفية، مازال دون جواب، بالخصوص ما يتعلق بمقابل لهذا الالتزام المكلف. تذكرت هذا وأنا أسمع جعجعة مرشحي الرئاسة الأمريكية من الحزبين المتنافسين عن «الراكب المجاني» المستفيد من القوة الأمريكية دون مقابل، أعرف أنها صيحات تسويقية في مولد الانتخابات الأمريكية، وهي «دوغما» سياسية عادة ما ترافق مواسم الانتخابات هذه، لكن وددت لو عرف الناخب الأمريكي حقيقة الراكب المجاني على مصالح غيره وحقيقة اتكاء اقتصاده المدين على اقتصاد غيره الدائن، وعند مدير بنكهم المركزي الخبر اليقين. أتجاوز غبار حلبات الانتخابات الأمريكية، وأعود لأرامكو هذا الكائن الضخم الذي احتارت بيوت المال العالمية في تقدير قيمته، إذ لا قوائم تذكر ولا بيانات تنشر ولا ميزانية تعلن وكأنها بالفعل شيء مقدس لا يمس. ولأن آفة الأخبار رواتها، فقد قرأت بصحيفة سعودية أنه سيتم طرح 5% من أسهم أرامكو كل عام للعشر سنوات القادمة حتى يبلغ المكتتب عليه 50% من قيمة أرامكو، وكأننا نتحدث عن سابك أو مثيلاتها من الشركات الحكومية، واتضح أن التفكير طرح نحو 5% فقط وأنه أكثر من كاف لتمويل الرؤية ضمن عدة مصادر أخرى. أزعم، بل أدعو الله ألا نحتاج للاقتراب من 5%، فلدينا مصادر عدة لم تستغل بعد لعل التعدين أهمها، أما أرامكو فيمكننا الاستفادة منها بأكثر من طريقة دون طرحها بهذه النسبة للبيع ومع إحكام رقابتها. يمكن مثلا تقسيمها لأكثر من شركة، واحدة للتنقيب والإنتاج وأخرى للتكرير والتوزيع وثالثة للشحن والتسويق، وننشئ شركة خاصة للغاز الطبيعي ثم للصخري وهكذا. هذا ليس تفتيتا بل تفعيل لمبدأ التخصص وتقسيم العمل الذي قامت عليه صناعات العالم، وستظل هناك الشركة الأم الحاضنة لكل هذه الشركات، المسؤولة أساسا عن تمويل الاقتصاد الوطني لا عن استمرار تدفق النفط لتمويل اقتصادات العالم. يمكننا أيضا طرح أسهم لمعامل أرامكو الحالية ومصافيها المنتشرة حول العالم، يمكننا بيع بعض مصانعها للبتروكيماويات، يمكننا تحديد امتيازها ومنح امتيازات لشركات جديدة في مناطق أخرى، يمكننا فعل خليط من هذا وغيره بأرامكو، أما النفط في باطن الأرض فليكن آخر ما نفكر فيه وآخر ما نلجأ إليه، سيعود النفط قويا، وحتى إن لم يعد، ستأخذ أمم الأرض عقودا لتقليل اعتمادها عليه، من يصدق أن دولا عدة مازالت إلى اليوم تستخدم الفحم الذي قضى عليه النفط منذ نحو قرن.