قبل أيام طرحت المملكة رؤيتها للمستقبل لعام 2030، وهي رؤى تفتح آفاقا اقتصادية تعتمد في جوهرها على التخلص من النفط كمصدر أساسي للإيرادات، كما أنها تعمل على خلق عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية وإدارة المرافق العامة ولكن بمفهوم القطاع الخاص، هذه الرؤية أماطت اللثام عن أسباب التناقض المصاحب للمخرجات الهزيلة في الموازنات السابقة على الرغم من ضخامة المدخلات بأرقامها الفلكية، كما أنها مثلت مخططا عاما لحقبة تحول جذرية تتطلب نقل المملكة من دولة مستهلكة رغم كونها أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط في العالم، إلى دولة منتجة ومتنوعة الدخل دون التأثر بحجم إنتاجها للنفط. لقد شددت رؤية 2030 على قضية الإدارة في جميع القضايا التي تناولتها، ولعل أهم هذه المحاور هو اهتمامها بالموارد غير المستغلة وأهمها الثروات المعدنية، بالإضافة إلى التركيز على الصناعات العسكرية، وفي اعتقادي أن أهمية التصنيع العسكري تكمن في أنه سيحقق للمملكة الاكتفاء الذاتي –ولو جزئيا- من متطلباتها من الأسلحة، الأمر الذي يعني تحقيق وفورات كبيرة في الإنفاق العسكري، بالإضافة إلى التحرر من القيود التي تفرضها الكثير من الدول على تصدير الأسلحة، ولاشك أن الوضع الإقليمي المضطرب يعطي المملكة الأولوية في هذا الجانب مهما بلغت تحدياته. كما ركز الأمير محمد بن سلمان في حديثه مع قناة العربية على قضية تمثل مطلبا شعبيا بالدرجة الأولى، ألا وهي قضية الشفافية، وهو الأمر الذي دفع الدولة لخصخصة الكثير من المؤسسات العامة ومنها شركة أرامكو، ولاشك أن المواطن يمكنه أن يتحمل -بل ويساند- أي منهج تسلكه الدولة: ترشيد، إنفاق، تقشف، تقديم دعم محدود أو مشروط أو حتى إيقاف الدعم كليا طالما توافرت الشفافية، بحيث يعلم الجميع أين تذهب الإيرادات ولمن وعلى أي أساس يتم إنفاق موارد الدولة، وقد أرتأت خطة المستقبل أن تطبيق مبدأ الشفافية يعد الركيزة الأولى للقضاء على الفساد، وفي اعتقادي أن الشفافية هي رأس المال الذي لا ينضب،كما أن زيادة الاستثمارات المحلية والإقليمية والدولية، هو الضمانة الأساسية لتحقيق جميع المشروعات الكبرى والعملاقة التي ينتوى تحقيقها على كل من المدى القصير والمدى الطويل في آن واحد. من جهة أخرى كان للسياحة نصيب الأسد من هذه الرؤية، باعتبارها موردا متجددا للدخل لا يتم استغلاله على الوجه الأمثل أيضا، ولو نظرنا على سبيل المثال لدولة مثل إسبانيا، سنجد أنها احتلت المركز الثالث عالميا من حيث عدد الزوار الأجانب في عام 2015 (زارها أكثر من 68 مليون سائح وحققت المركز الثالث عالميا لثلاثة أعوام متتالية) الأمر الذي ساهم في تحقيق ما يقارب 11 % من الناتج المحلي الإجمالي لها، ولعله من فضلة القول أن نشير إلى أن إسبانيا في واقع الأمر تعتمد بصورة كبيرة على الآثار الإسلامية التي ورثتها إبان حقبة الحكم الأموي بها، وهو أمر جدير بالتساؤل والحيرة، فالمملكة تملك الكثير من مواقع الجذب السياحي الإسلامي بدرجة أكبر من إسبانيا، كما أن لديها من الإرث التاريخي ما يدفعها لأن تكون رائدة منطقة الشرق الأوسط في هذا المجال، كما أنها تمتلك سواحل خلابة طويلة على البحر الأحمر بجزره الساحرة، ولديها مدن سياحية عريقة، كما لديها البنية الأساسية اللازمة للعديد من أنواع السياحة الرياضية، هذا بخلاف امتلاكها لمقومات السياحة الاقتصادية الممثلة في سياحة الندوات والمعارض، فلماذا لا تنهض سياحيا؟ من المؤكد أن الإجابة على هذا التساؤل تتضمن العناصر الأساسية التي تم تناولها في رؤية المستقبل 2030، والتي تشمل عناصر الشفافية وحسن الإدارة والتنسيق بين مؤسسات الدولة بما يضمن إعداد منظومة متكاملة ومتناسقة لإدارة موارد الدولة بما يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية، والجانب الإداري لا يمكن عزله بأي صورة من الصور عن الجانب العملي للرؤية، بل هو جانب مكمل وداعم له، وقد عكست هذه الرؤية قدرة المملكة على إنتاج خارطة لأهم الأهداف التنموية والاقتصادية لها خلال مدى زمني قصير نسبيا، مشبعة بروح الشباب الواعد، الطامح لخلق مستمر أفضل، والقادر على مواجهة التحديات الكامنة في كل مرحلة زمنية مختلفة، والراغب في بناء دولة تقوم على سيادة القانون والمؤسسات وتحترم حرية المواطنين وإرادتهم في آن واحد.