تعتبر قصة الكاتب الأمريكي أو هنري القصيرة «بعد عشرين عاما» من أجمل ما كتب عن ثيمة الصداقة. والقصة عن صديقين مختلفين جدا في الطباع والفلسفات، يدعيان بوب وجيمي، أخذا وعدا أن يلتقيا بعد عشرين عاما بمكان معين في نيويورك. وفى بوب بوعده وأتى في المكان والزمان المحددين لينتظر صديقه، وحينما رأى رجل شرطة يجوب المنطقة شرح له سبب وقوفه وانتظاره. وتنتهي القصة بمفاجأة درامية حيث بدلا من أن يأتي جيمي أتى رجل شرطة، غير الأول، ليقبض على بوب قائلا له بأنه مطلوب أمنيا، وأعطاه قصاصة ورقية صغيرة هي رسالة من جيمي الذي نكتشف بأنه الشرطي الأول الذي كان قد اقترب منه وتعرف على وجهه كمطلوب أمنيا. لم يستطع جيمي القبض على صديقه بوب بنفسه، ولكنه أرسل له زميلا ليحتجزه فولاؤه للحق ولعمله أكبر من ولائه للصداقة التي بينهما. وهذه القصة بالذات من أكثر القصص إثارة للجدل في حجرات الدراسة الجامعية فقد كنت استمتع بحلقات النقاش الناتجة عنها بعد تدريسها. فحينما كنت أسأل الطلاب عن آرائهم وماذا سيفعلون لو كانوا مكان جيمي الشرطي، وإن كان ولاؤهم أكبر للصداقة أم العدالة، كانت الإجابات دائما متناقضة وفلسفية. فالبعض يقول إن العدالة يجب أن تكون فوق كل اعتبار حتى اعتبارات الصداقة والدم. ولا أدري هل هذا يعكس شخصيات فعلا تؤمن بالحق والعدالة، أم هي مثالية مدعاة بسبب الخوف من حكم الآخرين في الحجرة الدراسية، وهو شيء نمارسه جميعا كأفراد في المجتمع فنحن عموما نحرص على عكس صورة معينة بالمجتمع تتفق مع معايير المثالية والأعراف الاجتماعية حتى ولو لم نكن نؤمن بها أو نطبقها خفية. ويشدد هذا الفريق على أن المجرم حتى لو كان من أفراد العائلة فهم سوف يسلمونه للأمن. وفي الحقيقة هذا ليس مستحيلا ونسمع عن حالات كهذه يتبرأ فيها الأهل من أبنائهم أو أقاربهم المجرمين ويسلمونهم للأمن. بل ويؤكد هذا الفريق بأن الإنسان الذي لا يمشي في الطريق الصائب بنفسه يتوجب على من يحبه أن يجبره على الاستقامة والتوبة وذلك لا يكون أحيانا ممكنا إلا بالعقاب. والبعض الآخر يؤكد بأن جيمي أخطأ كثيرا بتسليم صديقه للأمن، فهو صديقه مهما كان، والعلاقة شخصية ليست رسمية، وولاؤه للصداقة يجب أن يكون أقوى فالصديق الحقيقي عملة نادرة وحرصه على العودة بعد عشرين عاما يؤكد تمسكه الروحي بصديقه وكان من المفترض على جيمي أن ينصحه فقط. ولكن السؤال الذي أتمنى الإجابة عليه أطرحه على القراء والقارئات الكرام: «لو كنتم مكان جيمي، هل كنتم ستحرصون على إرسال القصاصة الورقية الصغيرة لبوب لتعرفونه بأنكم سبب القبض عليه؟ أم ستلتزمون الصمت وتتركونه يعتقد أنكم لم تأتوا في الموعد المحدد بعد عشرين عاما؟» ولماذا؟