- «مرحبا، لقد عدت» ............ يعود إليك رجع صوتك الذي تكسر به عتمة المنزل البارد وأنت تعود إليه آخر النهار متعبا من بعد يوم عمل طويل. لا يرد على سلامك أحد إلا خشخشة المفاتيح في يدك، أبواب كثيرة تحمل مفاتيحها معك كل يوم ولا تذكر متى آخر مرة نظرت خلف تلك الأبواب. تبتسم ساخرا من نسيانك كل مرة أن لا أحد ينتظرك عند عودتك وتتابع خطاك بطريقة آلية نحو طاولة خشبية تعلوها مرآة تركت عليها كوب قهوتك في الصباح. «يجب أن أتوقف عن صنع القهوة كل يوم وتركها هنا بعد الاكتفاء برشفة سريعة وأستغل وقت صنعها في فتح الستائر والنوافذ حتى لا تستقبلني هذه الرائحة العطنة»، تحدث نفسك وأنت تبلل رأس سبابتك بريقك وتفرك أثرا تركه الكوب على الطاولة، أثرٌ قديم، يشبه أثرا لأحدهم في قلبك، يزيد كل يوم ولم تمل من محاولة إزالته بطريقة بدائية. تسمع صفيرا للريح وتدير رأسك نحوه، متأكد أنت أنه لا يوجد منفذ للريح إلا ذلك الباب الذي دخلت منه وأغلقته خلفك، فتتجاهل الصوت الذي خفت. تذهب لغرفة نومك وتغلق عليك الباب، ثم تعود لفتحه مجددا بلا مبالاة وأنت تذكر أنه بإمكانك السير عاريا في أرجاء المكان فلا أحد سيراك. تشعر بقرصات في رأس معدتك وتتجه للمطبخ لتبحث عما يسد جوعك، تضع عدة أطباق أفرغت فيها بعض العلب المخزنة وكوب عصير برتقال كنت وعدت أحدهم أنك ستعوّد نفسك على تقبله وشربه. تتجه لطاولة الطعام وتجلس على الكرسي الأيمن، حيث مكانك دائما، رائحة المواد الحافظة تصعد لأعلى رأسك فتشرب عليها بتقزز رشفة من عصير البرتقال وتتذكر رهانك القديم، تختفي قرصات الجوع وأنت تبادل الكراسي الثلاثة الأخرى حول طاولة الطعام نظرة استغراب وأنت تسمع صوت صفير الريح حولك مجددا. «إنه يناير، سيجد البرد معه دائما طريقا لمنازلنا وقلوبنا» تحدث نفسك وتحمل تعبك وأقدامك نحو سريرك البارد وصوت الريح يحفك. ثمة ألم يعتادك منذ ثلاثة أيام وسط صدرك يزداد الآن، تستغل عري جسدك وتنظر في المرآة نحو مكان الألم، صوت صفير الريح يعلو، تتحسس مكان الوجع فتدخل رؤوس أصابعك في كوة ممتدة تجاه ظهرك. يفزعك المنظر وتعود للخلف خطوات. أنفاسك تصعد من هذه الكوة وتصعد، يعلو معها صفير الريح، وقلبك يعوي كالذئب المجروح ليلا، فتبتلعك الريح وتغفو...