أول سؤال كان يسأله الكبيرُ للصغيرِ: (أنتَ ابنُ مَنْ)؟ وتأتي إجابته حاملةً الانطباع الأولي عنه، فإن كان ابن أسرة أدبٍ وجودٍ وشجاعة أنزله المكانة التي يستحقها، وإن على العكس فلو كان يستحق فلن يجد القبول، فالحكم على البيئة التي نشأ فيها وترعرع لا على الصغير الذي أمامه؛ لأن المتعارف عليه أن الأرض الطيبة لا تنبت إلا الطيب، والعكس العكس. قد يكتشف الكبير أن خُلُق الصغير على عكس ما كان يتوقع، وعندها لا يجد غير عبارة: «النار لا تخلِّف إلا الرمادة».. كانت الأسرة تحرص على أن يعكس أبناؤها صورتها الحسنة، فتشدد بقولها: «لا تفضحنا، لا تفشلنا، ارفع رؤوسنا...»، وغيرها من عبارات النهي والتحفيز، فتزرع في نفسه العلو، وتنزع الهبوط، ومع هذا قد «يشذ» الابن ويُفشِّل ويفضح ويمسح بسمعة أسرته الأرض، لكنهم قلة. مما تعلمناه في صغرنا أن احترام الكبير ركن من أركان التربية؛ لأن التعامل يقوم على هذا الأساس، أعني أساس الاحترام، وخاصة احترام من هم أكبر سنًا ودرايةً. كنا حين يتحدث الكبير ننصت، وحين يأمر وينهى ننفذ، ونتسابق لخدمته، قبل أن يطلب. اليوم تطورت التربية واتسعت، وتعددت أماكنها، فصرف عليها ما لم يُصرف على سواها، وبدلاً من أن تقضي على القليل الشاذ انعكس الأمر، وأصبح المنتفعون منها هم القليل، والشريحة العظمى من الصغار نستعيذ بالله من أخلاقهم. لماذا؟ لأن الأسرة اضمحل دورها في التربية، ولم تعد هي تلك التي كانت الركيزة الأولى في هذه العملية. فاختلط الصالح بالطالح، وبدأت عمليات التأثر بالاحتكاك والمجالسة على مقاعد الدراسة.. كثيرٌ من الشباب الصغار رأينا سوء أدبهم، في الحوار مع من هم أكبر منهم علمًا وثقافةً وخبرةً. وهنا أقول: لو قامت الأسرة بواجبها تجاه أبنائها وتضامنت مع ما يبذل في دور التربية لرأينا النتاج أفضل ممّا هو الآن، ولعاد لعبارة: (أنت ابن من؟) رونقها. أتمنى أن نرى جيلاً يعكس الجهود والأموال المبذولة في تربيته، أتمنى! محمد السوادي