ليس مهما كم عمرك أيها الانتحاري، أو كم تعول من أسرتك، ولا كم هو عمر والديك، وهل بلغا من العمر شيخوختهما لتكرمهما كما ربياك صغيرا، أم ما زالا ينتظران على لهفة خطو رجليك وهي تسير نحوهما، حين قررت انت أن تدخل الناس النار، وأنت تدخل الجنة. ليس مهما من تكون وكيف تريد أن تكون بعد عشر أو عشرين سنة، وكيف ستقضي حياتك ومع من، وكيف ستعمر أرضك وترعى بيتك وتربي ابنك. بالتأكيد لن تتذكر عدد السنين والشهور والأيام والساعات التي قضتها والدتك وهي تهدهدك بقلبها، وتسهر على رعايتك، عين دامعة، وجسد منهك، وقلب حنون، وما هي الأوجاع والمصاعب والآلام التي لقيها والدك في البحث عن لقمة عيش كريمة لك ولإخوتك. كل ذلك ليس مهما، ولا يحرك في قلبك الجاحد شيئا، المهم أن ترحل حاملا روحك وجسدك لتقاتل بدلا عن شيخك «المحرض»، ذلك الذي لم تعرفه إلا منذ أشهر قليلة فقط، وربما من أسابيع قريبة. هو الرجل المريب الذي لقيته في مخيم ما، أو خلال درس في استراحة نائية، أو على رصيف منزو، يجتمع حوله «المريدون» يتذاكرون كيف تكالب الكفار كذبا على بلدك، بينما أنت في غفلتك لا تسمع بقلبك المآذن وهي تصدح في جوارك، ويلهج المصلون بالدعاء على بعد أمتار منك. ليس مهما بالنسبة لك أن يكون كلام «المحرض» كذبا، ونحيبه وتباكيه تدليسا، فغايته ليست نصرة الدين الذي تعتقد، ولا الحمية التي ألهبت مشاعرك، هو يأخذك جسرا يطأه من أجل مال يغنيه، أو جاه يقربه، أو خدمة لحزبه الذي لا تراه. أنت اليوم تحمل عنه وزر القتال، وتموت ويحيا هو، أنت من يتغرب في أرض الفتن «أيها الغلام»، وشيخك المحرض يعيش في قصوره ومزارعه واستراحاته، وبين أطفاله ونسائه، أنت تموت في الأسر ألف مرة، وهو يحيا في النعيم المقيم ألف مرة. تحلم بزواج في القبر، بينما هو متزوج من الغيد ممن شردهن قتالك في البوسنة وسورية وبلاد الشيشان، كل ذلك لا يهم.. المهم أن يحمل «محرضك» في جيوبه المال الوفير، وتحمل أنت الحزام الناسف وبئس المصير. مت كما يريدون جزءا من محرقة دامية، فما أنت وأقرانك إلا حصاد معركة كبرى، يديرها الأعداء والمتآمرون والمحرضون، أما الأرواح التي التهمها حزامك الناسف فستطاردك لعناتها حتى يوم المصير.