خرجت علينا بعض صحف يوم الثلاثاء الماضي تحمل عنوانا مستفزا (الشورى يوصي بإطلاق أسماء أعضائه وكبار المسؤولين على الشوارع والطرقات)!. والخبر يستفز لأنه ينسب إلى أعضاء المجلس (توصية) أقل ما توصف به (السطحية)، كأنهم يتلهون بالثانويات ليتفادوا خوض مناقشة الأولويات، ويتفاعلون مع ما هو هامشي ليصرفهم عما هو جوهري!!. أن ينشغل أعضاء المجلس بالجدل حول تخليد أسمائهم وأسماء (كبار المسؤولين) فيوصون بإطلاقها على الشوارع والطرق، هي توصية، فضلا عن كونها تدخلا في دائرة استغلال المنصب، تبدو شيئا يستسخفه العقل، فمن المسلم به أن المنصب وحده ليس مبررا كافيا لتخليد اسم صاحبه، فكون الفرد حصل على منصب رئيس دولة أو وزير أو سفير أو عضو مؤسسة تشريعية أو غير ذلك من المناصب العليا، ليس مؤهلا له لأن يزف اسمه إلى ساحة الخلود، ما يخلد الأسماء، أفعال أصحابها لا مناصبهم، ورب فقير في وظيفة حقيرة، قام بفعل إنساني أو قدم تضحية من أجل الصالح العام، هو أجدر 100 مرة بتخليد اسمه من رئيس دولة لم يقدم لها شيئا. إن كان مجلس الشورى حقا يرى أن من ضمن مهامه، الانشغال باقتراح الفئات التي تسمى الشوارع والطرقات بأسماء أصحابها، فليكن ذلك في نطاق التفكير في الأفعال التي قدمتها تلك الفئات، لا بحسب المناصب التي شغلتها، فأين المجلس من التوصية بتخليد أسماء شهداء الواجب الذين افتدوا الوطن بأرواحهم؟ وأين هو من أسماء أولئك الذين جعلوا من أجسادهم دروعا لحماية المصلين عند محاولة تفجير مسجد الحسين في الدمام، فأنقذوا المئات من شر أريد بهم قبل أن يسلموا أرواحهم لبارئها؟ أين هو من أولئك الذين قدموا أعمالا إنسانية بذلوا سلامتهم ثمنا لها كتلك المعلمة البسيطة التي ضحت بحياتها أثناء انهماكها في إنقاذ الطالبات الصغيرات من حريق شب في مدرستهن في جدة، فأنقذت الطالبات وذهبت هي لخالقها راضية مرضية؟ ألم يكن اسمها جديرا بالتوصية أن يعلق على الشارع الذي شهد إنسانيتها؟. وأين المجلس من فئة النساء اللاتي قدمن أعمالا متميزة ويتعمد المؤرخون طمس ذكرهن وإقصاءهن إلى الوراء؟ أين هو من التوصية بتخليد اسم منيرة الدليجان، الطبيبة التي داوت بمهارة جراح الملك عبدالعزيز بعد أن أصيب في معركة كنزان شمال الهفوف؟ ومزنة المطرودي رمز الشجاعة لنساء المملكة، وموضي البسام رمز الوطنية الصادقة، التي خاطرت بحياتها حين حملت مسؤولية إخفاء وتهريب بعض جنود قومها إثر هزيمتهم في معركة الصريف، أو غيرهن من النساء المميزات اللاتي يزخر بهن التاريخ؟. إن التفكير في تخليد اسم وزير أو رئيس أو عضو مجلس شورى لمجرد أنه شغل ذلك المنصب، هو ما لا ينبغي أن يصدر عن المجلس.