20 يونيو موعد الإعلان عن إلغاء الضريبة في "سياحة جدة"    أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء لجنة جائزة سموه للمزرعة النموذجية    الرئاسة العامة تقدم مجموعة خدمات توعوية نوعية للحجاج والمعتمرين والزوار    جهود المملكة العربية السعودية في صيانة جناب التوحيد والتحذير من الشرك    الأمين العام للجامعة العربية يلتقي نائب الرئيس الصيني    رئيس الوزراء الإسباني يستقبل الوفد الوزاري بشأن التطورات في قطاع غزة    أمير الشرقية يتفقد عدداً من إدارات خدمات المستفيدين والمستفيدات بالإمارة    النفط يصعد والذهب في انخفاض    إصدار صكوك دولية ب5 مليارات دولار    الجامعة العربية تدعو إلى إعادة صياغة التشريعات لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي    الدوسري يناقش عددا من البنود خلال اجتماع الدورة 19 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب    رفع الطاقة الاستيعابية لقطار الحرمين السريع لموسم حج 1445    البديوي يشارك في الدورة ال 16 لمهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون    رابطة العالم الإسلامي تُدين مجازر الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني    الصحة الفلسطينية تعلن انهيار المنظومة الصحية في غزة    التصريح للخطوط الجوية البولندية بتشغيل رحلات مباشرة للسعودية ابتداء من 4 يونيو    أمير المدينة يكرم الطلاب الحاصلين على جوائز محلية وعالمية    أمير حائل يشهد حفل التخرّج الموحد للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني    هل باتت «الهدنة» من الماضي؟    رونالدو يعلق على انجازه في الدوري السعودي    رياح مثيرة للأتربة على الرياض    وزير الداخلية يدشن مشروعات حدودية أمنية بنجران    الهلال يمًدد تعاقده مع جورجي جيسوس    القادسية يتوج ب"دوري يلو"    إضافة خريطة محمية الإمام لخرائط قوقل    "الشؤون الاقتصادية": اكتمال 87% من مبادرات الرؤية    طائرات "درون" في ضبط مخالفات المباني    خيسوس وكاسترو.. من يحصد «أغلى الكؤوس»    أمير تبوك يطلع على استعدادات جائزة التفوق العلمي والتميز    «الشورى» يطالب «حقوق الإنسان» بالإسراع في تنفيذ خطتها الإستراتيجية    وزير الحرس الوطني يرأس اجتماع مجلس أمراء الأفواج    5 أعراض يمكن أن تكون مؤشرات لمرض السرطان    تحذير لدون ال18: القهوة ومشروبات الطاقة تؤثر على أدمغتكم    هذه الألوان جاذبة للبعوض.. تجنبها في ملابسك    هؤلاء ممثلون حقيقيون    القيادة تهنئ رئيسي أذربيجان وإثيوبيا    كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة.. ريادة في التأهيل والتطوير    أمير المدينة يستقبل السديس ويتفقد الميقات    الهلال الاحمر يكمل استعداداته لخدمة ضيوف الرحمن    الملك يرأس جلسة مجلس الوزراء ويشكر أبناءه وبناته شعب المملكة على مشاعرهم الكريمة ودعواتهم الطيبة    هيئة تنظيم الإعلام: جاهزون لخدمة الإعلاميين في موسم الحج    مكتب تواصل المتحدثين الرسميين!    ولاء وتلاحم    تواجد كبير ل" روشن" في يورو2024    الحسيني وحصاد السنين في الصحافة والتربية    اختتام معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز    العروبة.. فخر الجوف لدوري روشن    وزارة البيئة والمياه والزراعة.. إلى أين؟    أسرة الحكمي تتلقى التعازي في محمد    أخضر الصم يشارك في النسخة الثانية من البطولة العالمية لكرة القدم للصالات    مثمنًا مواقفها ومبادراتها لتعزيز التضامن.. «البرلماني العربي» يشيد بدعم المملكة لقضايا الأمة    أمريكي يعثر على جسم فضائي في منزله    «أوريو».. دب برّي يسرق الحلويات    شاشات عرض تعزز التوعية الصحية للحجاج    دعاهم للتوقف عن استخدام "العدسات".. استشاري للحجاج: احفظوا «قطرات العيون» بعيداً عن حرارة الطقس    عبدالعزيز بن سعود يلتقي القيادات الأمنية في نجران    سلمان بن سلطان: رعاية الحرمين أعظم اهتمامات الدولة    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أثر الفكر الصوفي في شعر نصر سامي
نشر في عكاظ يوم 05 - 12 - 2015

كثيرا ما نصادف البعد الميتافيزيقي بشكل عام والبعد الصوفي في شعر نصر سامي بشكل خاص بحثا عن المجهول واللامرئي لذلك قال «صابر عبدالدائم»: «البحث عما وراء المحسوس من أخص خصائص التصوف» فالتصوف إذن هو بحث في الموضوعات التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نضعها تحت مدماك التجربة بمفهومها العلمي لذلك عمل الأدب الصوفي على تمثل جوهر الأشياء في كليتها فصار «البحث عن الحقيقة والنفاذ إلى صميم الأشياء وكشف ما وراء الطبيعة» إحدى سمات الأدب الصوفي.
يقول الشاعر سامي نصر في قصيدة «عذاب القول»:
أجمع الآباد في كلمة
وأطوف
لا أملك إلا أرضا ورقة
وجحيم حروف
فعذاب القول عند الشاعر من قبيل عذاب القبر في الخطاب الديني، وهو عذاب يكون بعد الفناء المادي، وربما أراد منه الشاعر التعبير عن الفناء في اللغة الذي يكون في ظاهره عذابا لأنه يجمع الآباد في كلمة وهذا الأمر مستحيل لأن السؤال عن مفهوم الزمن يستدعي الكثير من الجهد الفكري ليفكر داخل اللغة ولا يظفر بشيء، وفي ذلك اعتراف بحدود الفكر لذلك يتخلص من حدود هذا الفكر بفعل الكتابة الذي هو في ظاهره عذاب و«جحيم حروف» سببه الفناء في اللغة، وباطنه تخليد للرؤيا الفنية. وهذا الفناء في اللغة من أجل تمثل حقيقة الخلود لأثر الإبداع في الذائقة الجماعية تجسد أيضا في قصيدة: «مواكب الفقد» في قوله:
من أي نافذة أطل فأنتهي من خلف تفاح الجدار
إلى اخضرارك في الدنى
نغما، وإلى اخضرارك في الدنى
ثمرا، والى احتفالي بانتظارك كل ساعات النهار
فالشاعر يطيل الانتظار حتى يحظى بالكشفة بمفهومها الصوفي، وهو يحس بوقع الفقد والوجد تفضحه حالة عشقه للغة التي هي جنته المفقودة. أما وعيه بأننا لا يمكن أن نفكر خارج اللغة وبأن الفكر عاجز عن تمثل كنه الأشياء في جوهرها وأن الرؤيا الشعرية مرتبطة بالتوهم أي الخيال يتضح في قصيدة «قناديل النور» في قوله:
هذي الحرائق كلها بيدي أنا
فينتهي الشطر الشعري بضمير «أنا» محور الفاعلية في القصيد وهو الذات المبدعة المحترقة شعرا إلا أنها رغم هذا العذاب تزرع الأنجم وتهتدي بقنديل يضيء الدرب الشعري توهما ببلوغ مرحلة اكتساب الحقيقة في جوهرها التي تبقى رهن حالة وجدانية، لذلك يقول الشاعر:
هذي الحرائق كلها بيدي أنا
زوقتها ونثرت فيها الأنجما
وتركت لي خيطا من المعنى
وقنديلا يضاء توهما
وسنحاول في خضم تناول البعد الصوفي في شعر الشاعر «سامي نصر» بالإضافة للتناول الفلسفي عكس خلفية تناول هذه المسألة على مرايا أقوال بعض النقاد والأدباء المعاصرين بأن «المعرفة الصوفية إذن تجربة حدسية، يتلقى فيها الصوفي الإلهام الذي يكشف له أبعاده العميقة المحتجبة، وفي الوقت نفسه، يطل على عوالم مجهولة. لذلك هي علم لدني، لا يمكن تعليله بأدوات العقل الذي طرده التصوف من مجاله. ولتلك الحال من الصفات والخصائص ما يكفي في تميزها عن غيرها مما تعانيه النفس الإنسانية من أحوال أخرى». و«سعد عبيس» يقول عنها «إنها حالة روحية يتصل فيها العبد بربه اتصال المتناهي باللامتناهي وهي تجربة لا تخضع لمنطق العقل الواعي وقوانينه وإنما هي حالة من حالات الوجود الباطن لها رموزها الخاصة ومن ثم فهي غربة روحية واعتزال العالم البشري»، وهذا بالضبط ما ورد في قصيدة سامي نصر: «الصعود إلى الوحدة»
وحيدا كأني أرى الموت يأتي
كأني أقبل في الليل راحته المشتهاة
كأني أقول له لست غيري لتسرقني يا حبيبي فخذني
لأحياك ثانية ثم خذني إلى وطن كنت في الأرض أفقا أراه
وخذني إلى النور حتى كأني أراه
مرة أخرى يعبر الشاعر عن توحده باللامتناهي ف«التصوف تجربة تتجه فيها «الإرادة» الإنسانية نحو موضوعها الذي تتعشقه وتفنى فيه، فتعرفه النفس عن طريق الاتحاد به معرفة ذوقية». فالشاعر والموت واحد والفناء بالنسبة إليه وجود آخر غير الوجود الذي يعيشه، هو وجود باطني يجعله يخرج من غربته الوجودية داخل هذا الكون ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الصعود إلى النور حتى كأنه يراه بمعنى يتمثله في حالة بين الواقع والحلم، وهذه الحال هي الكشفة وحال الانتشاء.
فالقول الشعري بالنسبة للشاعر سامي نصر هو محدد العلاقة بينه وبين اللاهوت، وهي علاقة فيها الكثير من الطرافة، هي علاقة تتحدد من خلال نصب الشبك لأطيار السؤال، هي علاقة أفنى فيها العمر تحت وقع الزمن المحدد لمفهوم الوجود الباطن الذي يعوض مفهوم الوجود المادي، لذلك يقول الشاعر في قصيدته «بروق الغوايات»:
ماذا يريد الله من لغتي وقد ألقيتها شبكا لأطيار السؤال ووهبتها عمري؟ ماذا يريد الله من لغتي وهذا الليل يسري في مفاصلها؟ ماذا يريد الله من لغتي وقد أعطيتها سنوات عمري؟ لله ساعات من الحزن الشفيف وللأيام ما يبقى من الآثار في الحجر.
فإن كانت التجربة الصوفية هي استيعاب لحدود وظيفة الذهن الذي يتناول الإشارات الحسية متفرقة ليجردها ويوحد بينها في شكل عملية تأليفية تحدد ملامح المعرفة بما هي تجربة،فإن «أدونيس» يرى أن التصوف هو «طريقة للكشف عن المعرفة وطريقة للبحث عن المعنى ووسيلة لبناء الهوية كما هو دعوة لتحرير الكيان البشري إلى جانب كونه دعوة إلى تحرير الفكر». وفي هذا القول بعض من الضبابية في ربطه بين الصوفي والمعرفة، فمصطلح المعرفة أضيق من مفهوم التفكير الذي هو وسيلة للخوض في الموضوعات الخاضعة لمنطق الذهن بقوانينه الواعية بحدود التجربة في تحديد المعرفة من جهة والموضوعات التي هي وراء المحسوس، ويعز علينا معرفة جوهرها إلا عن طريق التمثلات «علم اللاهوت العقلي» لذلك ربما يكون أدونيس استعمل مصطلح الكشف والمراد من ذلك «الكشفة» بمعناها الصوفي أي الحركة الباطنية التجريدية للمسافة بين هذين القطبين، وهو أمر يعطي للمبدع هوية فنية تتسم بالبعد الصوفي من خلال الخوض في الموضوعات العامة والماورائيات مثل معاني الخلود والحرية والنفس والكينونة البشرية، وهو له أثر عميق في الإبداع الشعري على اعتبار أن الشاعر في لحظات إبداعه هو في حالة انتشاء والتصاق بما هو فيه حتى يبلغ درجة الفناء في عالمه ذاك، وتكون في تلك اللحظات ذاته هي القطب الأوحد الذي تصب فيه منابع المعرفة وخلجات الوجدان وشطحات العقل كصور خاوية يتفنن في التسلية في شبه عزلة عن عالمه الوجودي المادي، فخالد سعيد يقول: «الشعر هو المحل الذي يتمثل فيه وعي الأنا بذاته تماسكا أو تصدعا ووعيها بعلاقتها بالموضوع تميزا وتداخلا وهذا في طليعة الأسباب التي تفسر الترابط بين الشعر والتجربة الصوفية بما هي إعادة نظر في علاقة الإنسان أو الذات بالله والعالم وبذاتها وكون الشعر الحديث محلا لهذا التصدع الانطولوجي جعله يحفل بالأقنعة والمرايا والأصوات المتداخلة». وهذا القول ينبجس من قصيدة: «العهد الأول» وكأننا أمام صفر من أصفار العهد القديم الذي يحدد علاقة الشاعر بالملكوت، وهي علاقة فيها من العشق والفناء والتجلي كرموز قامت عليها الرؤيا الشعرية التي تعيد النظر في علاقة الشاعر بالذات العليا لذلك يقول سامي نصر برشاقة:
لك أن أموت لكي تظل تحبني
لك أن أموت
لك أن أمزق وحدتي وترددي
وأكسر التابوت
لك أن أوطن في يديك قصائدي
فتشيع في الملكوت
لك أن أضيء فربما
أربكت في هذا الدجى اشراقة الملكوت
والطريف أن الشاعر يحيلنا دوما على هذه العلاقة التي تحدد داخل القصيد، وفي علاقة الشاعر بذاته المتراوحة بين الانسجام والتصدع، نجد سامي نصر يتوسل بعديد الأصوات داخل القصيدة الواحدة، وهو صوت الأنا وصوت الحاضر وصوت الأسطورة التي يضيء بها دروب الحاضر، وهذا يتجلى بوضوح في قصيدة «الأشجار» إذ يقول:
اخي لا تغلق الباب دوني
سأدعوك عيني
وأدعوك جسر التواصل بيني وبيني
وأهجس: وجهي حدائق كل فلاح صغير في ربى وطني
وكوني
إن تفرقت دوني الدروب وفاتني زمني
سأدعوك منديلا أعلقه لسيدة
ستحملني وتدخل غابة الشجن
وأدعوك أشجارا ستورق في ربى وطني
وبحكم صعوبة الانتقال من المعرفة إلى جوهر الأشياء لا بد من حضور وسيط يضطلع بدور القيام بالتجربة الباطنية لمحاولة الفناء في جوهر الأشياء، وهذه التجربة الوجدانية الذاتية تحاول أن تنير السبيل أمام الوجدان الجماعي، وهذا الأمر انتبه إليه أدونيس فربط بين الشعر والتصوف من خلال كونية كل منهما. فهو يرى أن «الشاعر عندما يترجم ما يشغله ترجمة صادقة عميقة يحس أنه يترجم في الوقت نفسه ما يشغل الآخر وكلامه يكون باسم الآخر وباسم ما بينهما من علاقات»، أي توحد الذوات المتفرقة في تجربة ذاتية بعينها هو ما ينسج العلاقة بين التجربة الشعرية والتجربة الصوفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.