بودنا أن نشكر وزارة التعليم على انتفاضتها «الورقية التعميمية» لحماية عقول الناشئة من سموم الأفكار التي تودي بهم وبنا إلى التهلكة، لولا أن هذه الانتفاضة جاءت متأخرة وأوكل تنفيذها إلى الذين ربما تساهلوا وتغافلوا في تسلل تلك الأفكار إلى محاضن التعليم. انتفاضة الوزارة التي نشرت خبرها صحيفة الوطن يوم الأربعاء الماضي تمثلت في تعميم بعدم استقبال الكتب المهداة من الأشخاص والجمعيات وأولياء الأمور قبل عرضها على وكالة الشؤون المدرسية، لماذا؟ لأن مكتبات المدارس تحتوي «كتبا تتبنى فكرا مخالفا للوسطية، ومطبوعات تحريضية وكتبا ومنشورات لجماعات حزبية وأصحاب الفكر الضال». لو كانت هذه الخطوة مبادرة ذاتية من وزارة التعليم لأمكن تثمينها لكنها جاءت عطفا على ملاحظات وزارة الداخلية، ولولا ذلك ربما لم تنتبه إلى هذا الخطر، كما أن الملفت للانتباه أن وزارة الداخلية نبهت وزارة التعليم بخطاب يعود إلى عام 1429ه لكن وزارة التعليم تفاعلت معه في بداية عام 1437ه، أي أنها احتاجت 8 سنوات لتهتم بملاحظات الداخلية، وحتى لو كانت قد اهتمت مبكرا بتعميم سابق فالأمر أسوأ لأنه يعني أن المشكلة ما زالت قائمة لأن توجيهاتها لم تنفذ. لذلك نعتقد أنه لا داعي للاستعجال في شكر الوزارة على خطوة متأخرة وليست بمبادرة منها، والأجدر أن نناقشها في هذا الموضوع. التعميم يوحي بأن الكتب التي وصفت بالممنوعة دخلت المدارس عن طريق الإهداء من أشخاص وجمعيات فقط. حسنا، لو قبلنا هذه الفرضية فإن السؤال هو كيف سمح المسؤولون في المدارس بدخولها وهي ممنوعة إذا كانت هناك قائمة بمثل تلك الكتب، وإذا لم تكن موجودة هل نفهم أن هؤلاء المعلمين والتربويين لا يستطيعون فرز ما هو ضار، أم أنهم لا يعلمون أساسا عن دخول تلك الكتب إلى المدارس وفي كل الأحوال هناك مشكلة خطيرة. كذلك فإن التعميم يشير بوضوح إلى وجود «جماعات حزبية» تمكنت من اختراق المدارس بكتب لا بد أنها مختارة بعناية لتغذية الطلاب بفكر الحزب وتهيئتهم للاستقطاب لاحقا. هذه المعلومة التي تؤكد وجود الحزبيين الذين ينتمون غالبا إلى جماعة معروفة للجميع يحاول الكثير نفيها والانفجار في وجوه من يشيرون إليها ويحذرون من خطرها، ونعرف جيدا أنها اخترقت مرافق التعليم ونخرت كثيرا منها منذ فترة بعيدة. الخطوة التصحيحية متأخرة جدا، ولا نعتقد أنها ستنجح عندما توكل مسؤولية تنفيذها للذين ربما ساهموا في وجود المشكلة.