جثمان الأمير بدر بن عبدالمحسن يوارى الثرى    «المالية»: 12.39 مليار ريال عجز الميزانية للربع الأول من عام 2024    أمير منطقة الرياض يؤدي الصلاة على الأمير بدر بن عبدالمحسن بن عبدالعزيز    محافظ الطائف يرأس أجتماع المجلس المحلي    قروض صديقة للبيئة من بنك التنمية الاجتماعية    13 مليون عامل و1.2 مليون منشأة بالمملكة    اصطدام سيارة بإحدى بوابات البيت الأبيض ومقتل سائقها    قربان: قطاع الحياة الفطرية يوفر فرصًا استثمارية ضخمة في السياحة البيئية    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار على منطقة الرياض    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    كلوب: مدرب ليفربول المقبل لن يواجه صعوبات    منتدى المشاريع العالمي في يونيو المقبل بالرياض    التجارة غير النفطية تواصل النمو في أبريل    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    هل وصلت حرب غزة إلى طريق مسدود؟    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق جولتها القرائية الخامسة    تدخل عاجل ينقذ حياة سيدة في عنيزة    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    "باحث": لا يوجد أدلة على أن الاستمطار يحدث هطول أمطار شديد    الأمم المتحدة تكشف: آلاف السودانيين يفرون يوميا من جحيم الحرب    "تعليم تبوك" و"أرامكو" يطلقان حملة توعوية للوقاية من الحرائق    المملكة تعين وتروي المحتاجين حول العالم    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    رونالدو: لا أركض وراء الأرقام القياسية    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    السعودية تؤكد ضرورة إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    مسؤولون وفنانون وشعراء ينعون الراحل    البدر «أنسن العاطفة» و«حلّق بالوطن» وحدّث الأغنية    آه يا رمل وهبايب.. تدفن جروح الحبايب.. ورحت يا بدر التمام    تعديلات واستثناءات في لائحة ضريبة التصرفات العقارية    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    عضوية فلسطين بالأمم المتحدة.. طريق الاستقلال !    معالي الفاسد !    مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية    الذهب يتأرجح مع تزايد المخاوف بشأن أسعار الفائدة    تقدير الجهود السعودية لاستقرار السوق العالمية.. المملكة تعزز تعاونها مع أوزبكستان وأذربيجان في الطاقة    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    موسكو: «الأطلسي» يستعد لصراع محتمل    الهلال يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة الأهلي    منح تصاريح دخول العاصمة المقدسة    الطائي يتعادل مع الخليج سلبياً في دوري روشن    بتنظيم وزارة الرياضة .. "الأحد" إقامة المؤتمر الدوري للقطاع الرياضي    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغصن الذهبي .. النصّ الذي لا غنى عنه
نشر في عكاظ يوم 19 - 10 - 2015

«الغصن الذهبي»، كتاب لعالم الأنتروبولوجيا الاسكوتلندي جيمس جورج فريزر (1854-1941)، يعدّ أوّل كاتب حديث يتناول موضوع التابوهات بصورة جدّية. وأراؤه لا تزال حية حتى يومنا هذا. والكتاب يعتبر أحد أهمّ الكتب بإطلاق في التاريخ، ليس فقط لما حواه من الأساطير والشّعائر التّي اهتم المؤلف بها عبر تطور التاريخ البشري بمراحله الثلات، من السحر إلى العلم، ولكن بسبب أثره الكبير في تطوّر علم الأنتروبولوجيا وعلم النّفس، دون أن نغفل مأثرة الكتاب الكبرى وهي أدبيته وحسن عرض مواده.
والغصن الذهبي صدر في نسخة مجلدة ومصورة وملونة بترجمة أ. د. محمّد زياد كبّة المترجم السّوري (1951)، وراجعه أ. د. سعد البازعي، وصدر عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، ضمن المشروع المسمّى (كلمة)، في 216 صفحة بورق من أجود أنواع الورق الفاخر ويحوي في كلّ صفحاته صورا ملوّنة متفاوتة الأحجام أضفت على الكتاب صورة الوثيقة التّي لا غنى عنها في كلّ مكتبة. يحتوى الكتاب عدا المقدّمات الثلاث للمترجم والمراجع والمؤلف على 11 فصلا تتوالى حسب العناوين التالية: ملك الغابة، سحر التماثل، سحر الطّقس، السّاحر الملك، الرموز، البشر، عبادة الشّجر، الأخطار المحدقة بالروح، نقل الشرّ، أعياد النّار، الرّوح الهائمة، الغصن الذّهبي.
وكتاب الغصن الذهبي هو أمثلة وحكايات من مختلف القبائل والشّعوب البدائية جمعها المؤلّف ليدعّم بها آراءه في تحليل مسيرة الفكر البشري منذ القدم إلى عصرنا.
الكتاب يتناول قطاعا واسعا من تطوّر الفكر البشري والتّاريخ الإنساني، كما أنّه يسلّط الضّوء على أصل الكثير من العادات المتّبعة بين مختلف الشّعوب في عصرنا الحاضر. وهو بعد ذلك كلّه كتاب حوى من المعلومات أغناها وأدقّها عن تاريخ الإنسان وثقافته، في مجال غامض عصيّ دقيق بعيد عن متناول القارئ غير المتخصّص في لغة أدبية عميقة التأثير.
وبعيدا عن موقف المستائين من الكتاب فإنّ للكتاب مكانة هامة في المشهد الثقافي الغربي، لأنّه حفر عميقا في الشّعر والرّواية والنّقد الغربي، وفي الكثير من الرؤى الفكرية الفلسفية وتوجّهات البحث في الأنتروبولوجيا وما يتّصل بها من المباحث، كما يقول سعد البازعي. فعمالقة الأدب تعاملوا مع هذا الكتاب واستفادوا منه من مثل وليام بتلر ييتس، و ت س إليوت، وإزرا باوند، وجيمس جويس، ود ه لورنس، وإرنست همنغواي. وغنيّ عن القول إن بعض الأعمال المتأثرة بكتابنا هي في قمّة المنتج الأدبي الغربي. ولم يؤثّر الغصن الذهبي في الأدب الغربي فقط بل ساهم في أهمّ تحوّل عرفه الشعر العربي بعد أن ترجم جبرا إبراهيم جبرا (ت 1994) الجزء المرتبط بأسطورة أدونيس منه عام 1957، وكان لهذا الجزء عظيم الأثر إذ تأثّر به السيّاب ومجايلوه وتسلّلت الأساطير من هذا الكتاب إلى ليل الشعر العربي عبر «عرضه الممتع للمعتقدات والعادات التي كان الناس قديما يمارسونها في مراسم الخصب»، وهو ما يفسر، وفق جبرا «الكثير من المعتقدات والعادات الشائعة بين الناس حتى اليوم». ويزيد جبرا على هذا كله أن «هذا الجزء من كتاب الغصن الذهبي» كان له، فضلا عن خطورته الانثروبولوجية الظاهرة، أثر عميق في الإبداع .. بما هيّأه للشعراء والكتاب من ثروة رمزية وأسطورية.
وهذه الترجمة في الأصل ليست للكتاب كاملا بل هي نسخة مختصرة، فالأصل يأتي في 12 مجلدا نشرت كلها بين سنتي 1906 و1915. لكنّ هذا المختصر مهمّ بالمقارنة مع ما ترجم لحد الآن، في انتظار أن نرى الترجمة الكاملة له يوما ما.
نعرف أنّ للكتاب نسخة اسمها أوراق من الغصن الذّهبي نشرتها ليلي زوجة المؤلّف عام 1924 للأطفال، وكان مزوّدا بالصور ركزت فيه على الجوانب الشعبية، ونعلم أيضا أن فريزر نفسه نشر ملخصا لكتابه في نفس السنة في 750 صفحة بحروف صغيرة وهذا الكتاب هو الكتاب الذّي وقع تلخيصه مرارا. أمّا كتابنا هذا فإنّه ليس مجرّد كتاب بل كاتالوغ صور من بدائع الفنون التّي صاغتها يد الإنسان، صور رائعة بديعة تقع في الغالب لدعم فكرة أو لدفع الذّهن للتخيّل واستعادة ما كان يحدث في حياة النّاس قديما. ويسيطر على فضاء الكتاب ما يرتبط بالثقافات البدائية من سحر وشعوذة ومعتقدات خرافية، كما يتعرّض للسّحرة وأدوارهم في مجتمعاتهم البدائية وسيطرتهم على قوى الطبيعة من شمس ومطر وطبيعة ومحاصيل. ويبحث خلال ذلك فكرة العجز المؤدّية إلى الإعتقاد في قدرة الساحر المالك لقوى الغيب المتحكمة في كلّ ما سبق، ويقدّم تصوّرا لتحوّل السّاحر وجمعه بين الدّيني والاجتماعي في آن معا. وفي موضع آخر يتعرّض المؤلّف إلى موضوع الرموز عند الإنسان البدائي في فصل رائع تكثر فيه الأمثال والحكايات، ومنها ما تؤمن به بعض الشعوب من أنّ بعض الشعوب تجعل لها رمزا في الشّجر وتقدس الشجرة وربّما رأت الشرّ والإثم متجسّدا في شخص معيّن فتقرّر التضحية به. وفي موضع آخر نجد وصفا لأحد أكثر تقاليد الشعوب غرابة ورمزية وهي احتفالات النّار والكتاب يوضّح من خلال قراءة عميقة لتراث الشعوب صلتها بالشمس وعلاقتها بالوفرة في الرزق والذرية والمحاصيل، ويسرد ما يرتبط بإحراق الساحرات. متعة لا تضاهيها متعة قراءة هذا السفر الرائع، ولعلّ من أروع ما نقرؤه الحديث عن خروج الرّوح من الجسد وعودتها إليه. ويروي قصص السحرة الذّين يحفظون أرواحهم تجنبا للموت في أماكن بعيدة، لا يطالها الموت. لكنّ الاخفاء لا يطول إذ ينكشف المستور ويموت الملك والسّاحر.
أطروحات الكتاب كلّها أصبحت اليوم ضمن تاريخ علم الأنتروبولوجيا، إذ هي عند العلماء «ضحالة علميّة» تجاوزتها الأنتروبولوجيا وعلوم الأساطير واللغات، وهو نصّ يفتقد للمكانة العلميّة إذ خضع مرارا إلى تصويبات كبيرة وتدقيقات جوهريّة، لكنّ المميز في الكتاب رغم طوله وغزارة مادته وتنوع مشاربها أنّها جمع أصول الكثير من العادات والمعتقدات والطقوس، في الكثير من المجتمعات القديمة، ولكن أيضا في فولكلور الكثير من المجتمعات الحديثة والمعاصرة بطريقة مشوقة مبهرة، إذ تمكن «من رسم صورة للتاريخ الإنساني» بطريقة أدبية جعلت الكتاب يحظى بشهرة شعبيّة، وظل الكتاب بعد هذا كله مادة حية تقرأ وتفعل فينا وفي ثقافتنا وخاصة الشعرية فعلا مؤسّسا. ويبقى لمؤلّف الكتاب فضل تبسيط علم الانتربولوجيا وجعله شعبيا ومقروءا، وهذا الكتاب إضافة إلى كتابه الآخر المهم الفولكلور في العهد القديم المترجم بدوره إلى العربية، كتابان لا غنى عنهما لكلّ مكتبة حديثة. فهو «عمل أدبي وسجلّ فريد، يتمتّع بأسلوب قصصي ممتاز يسرّ له القارئ» كما يقول روبرت تمبل.
وفي آخر هذا العرض يهمّني أنّ أقدّم للقارئ معنى عنوان الكتاب الغصن الذّهبي وهو في الأصل عنوان لوحة للرسام جوزيف مالورد وليم تيرنر (1851-1775) وهو رسام بريطاني من المدرسة الرومانتيكيّة وهي لوحة بديعة منشورة في الكتاب على جزئين في بداية الكتاب ونهايته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.