في الوقت الذي يندد المجتمع فيه بمظاهر العقوق التي قد تظهر في صور شتى من قبل أبناء وبنات ضد والدهم أو والدتهم أو ضدهما معاً مع علم الجميع أن العقوق من كبائر الذنوب التي قد يعجل الله العقوبة عليها في الدنيا قبل الآخرة، فإن من واجب الآباء والأمهات ألا ينسوا التوجيهات النبوية التي تحضهم على البر بأبنائهم حتى يبرهم أبناؤهم، وجاء في حديث نبوي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال «أعينوا أولادكم على البر، من شاء استخرج العقوق من ولده»، وجاء في تفسير هذا الحديث أن المقصود إعانة الأولاد على البر من قبل الآباء بالإحسان إليهم وعدم التضييق عليهم والمساواة بينهم وعدم تفضيل بعضهم على بعض والتعامل معه باللطف ولين الجانب والتحبب إليه بالكلام الطيب والتشجيع على الخير. إن بعض الآباء والأمهات يظنون أن من حسن التربية والحزم إظهار القسوة مع الأبناء في التعامل وعدم التسامح معهم في أي صغيرة أو كبيرة حتى لو كان التجاوز مرتبطاً بنزوات المراهقة والشباب وما يتصفان به من طيش وتسرع، فلا يسمع الأبناء والبنات منهم إلا الزجر والشتائم والأوامر الصارمة والحرمان من الطلبات واعتبار أي تجاوب معهم دلالاً مفسداً لهم لا ينبغي التعامل به أبداً. وقد يفاخر الواحد من هؤلاء الآباء والأمهات بأن كلمته لا تنزل الأرض وأنه إذا دخل المنزل وزمجر في صغاره وأرعبهم فإن ذلك دليل على قوة شخصيته وعلى مدى احترامهم له، مؤمناً إيماناً كاملاً بأن طريقته هي الطريقة المثلى في التعامل مع الأبناء والأسرة عموماً ناصحاً جلساءه بقوله: لا تعطِ الأولاد ولا امرأتك وجهاً واحتفظ بوقارك وهيبتك بينهم حتى تصبح بحق رجل البيت!. ومن الآباء القساة من لا يتورع عن إهانة زوجه أمام أطفالها وأطفاله منها، بل وضربها ضرباً مبرحاً لأنها تجرأت على مناقشته في مسألة من مسائل الأسرة أو الأبناء، فإذا رأوا ما يفعل بوالدتهم لاسيما إن كانت حنوناً عطوفاً عليهم، فإن الحقد يملأ قلبهم على والدهم الفظ الغليظ القلب، ولكنهم يعجزون بل ويخافون من أن يعبروا عن مشاعرهم أمامه وهم ضعاف وهو قوي، ولكن بعضهم إن رأوه مريضاً أو ضعيفاً عقوه على سبيل الانتقام لأنفسهم ولوالدتهم منه فيبوء الجميع بالخسران المبين ويكون سبب نشوء العقوق في تلك الأسرة هو عائلها ووالدها الذي ظن أن أسلوبه المتوحش القاسي يعني الرجولة والهيبة والقيادة الجيدة والتربية القويمة فإذا به يصنع فجوة بينه وبين زوجه وأبنائه لا يردمها حتى رحيله غير المأسوف عليه من هذه الدنيا!. وأختم مقالي بموقف تربوي حصل لتابعي شاب مع أبي هريرة رضي الله عنه عندما رآه يمشي بظهر الحرة من المدينةالمنورة وخلفه رجل مسن يلحق به فسأل أبو هريرة الشاب قائلاً من هذا الذي يمشي خلفك؟ قال أبي، قال: أخطأت الحق ولم توافق السنة.. لا تمش بين يدي أبيك ولا أمامه ولكن امش خلفه أو عن يمينه ولا تدع أحداً يقطع بينك وبينه ولا تمد يدك لطعام قبله فقد يكون نظر إليه فاشتهاه ولا تحد النظر إلى وجه أبيك ولا تقعد حتى يقعد ولا تنم حتى ينام!.