كتبت في هذه الزاوية قبل أيام مقالا تحت عنوان «انتخابات باردة» أشرت فيه لعدم حماس الناخبين حسب استطلاعات الصحف للمشاركة في الدورة الجديدة لانتخابات المجالس البلدية، لعدم إنجاز شيء يذكر في الدورة السابقة، وعدت في مقالي إلى آخر دورة للمجلس البلدي بمكة المكرمة في نسخته القديمة قبل أربعة عقود، وأن أمين العاصمة المقدسة الأستاذ عبد الله عريف رحمه الله كان ينيب في حضور اجتماعات المجلس مساعده الأستاذ عبد اللطيف مراد، قائلا له: اجتمع بهم يا عبد اللطيف، وفسرت ذلك بعدم قناعة الأمين بأعمال ومناشط المجلس، فلما قرأ المقال الشيخ عبد اللطيف مراد، الذي تجاوز حاليا الثمانين من عمره المديد، ولأن الله بارك في سمعه وبصره ما شاء الله لم يقل ما قاله الشاعر العربي القديم: «إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان» بل قرأ المقال وأمسك بالقلم وأرسل إلي رسالة طويلة يعقب فيها على ما جاء فيه ويفسر توجيه الأستاذ العريف له بالاجتماع بالمجلس البلدي نيابة عنه تفسيرا آخر، وخلاصة رسالته هي أن أمين العاصمة المقدسة كان مجتمعا في عام 1394ه بالمجلس البلدي ولكن ظرفا طارئا اضطر الأستاذ العريف لترك الاجتماع، فقال لمساعده عبد اللطيف مراد: اجتمع بهم يا عبد اللطيف، فلما جن عليه الليل تلقى مراد مكالمة من عضو المجلس الشيخ حامد مطاوع رحمه الله رئيس تحرير جريدة الندوة، يبلغه فيها أن رئيس المجلس الأستاذ صالح محمد جمال رحمه الله أخذ على خاطره من ترك العريف لجلسة المجلس وطلب منه التصرف لإصلاح ما حصل بين القطبين المكيين فوعد مراد الأستاذ مطاوع خيرا وقلب الأمر بينه وبين نفسه وفتش في مكتبه مساء فوجد ملفين لمشروعين جيدين سبق أن اقترحهما المجلس البلدي ووافقت عليهما وكالة الوزارة للشؤون البلدية بوزارة الداخلية، فحمل ملف المشروعين صباحا، وحرص على الحضور مبكرا، فلما وصل العريف إلى مكتبه جاءه حاملا الملفين، وأخبره بمكالمة الأستاذ مطاوع عن تأثر الأستاذ صالح جمال بانسحاب الأمين من جلسة المجلس، فرد عليه العريف قائلا: أنت تعلم يا عبد اللطيف سبب انسحابي وأن تكليفي لك بحضور الاجتماع كان حرصا مني على عدم تعطيل اجتماعه بسبب مشاغلي، فاقترح عليه مراد الاتصال بالأستاذ صالح جمال وملاطفته وإبلاغه بالمشروعين المعتمدين، اللذين كان للمجلس الفضل في اقتراح تنفيذهما في أم القرى، ومنهما توسعة طلعة ريع الكحل، فتم الاتصال وسر رئيس المجلس من بشارة الأمين له، ولم يكن يعلم أن الذي رتب الأمر هو مساعد الأمين عبد اللطيف مراد، فاتصل به ودعاه إلى فنجان شاي، بعد المغرب في منزله، وأخبره باتصال العريف وبخبر المشروعين وهو بهما عليم ، وهكذا مر الأمر بسلام، ولم يعد رئيس المجلس أو أعضاؤه يرون مانعا من حضور مراد للاجتماع نيابة عن العريف، فظل يحضر الاجتماعات لمدة ثلاث سنوات حتى وافى الأجل العريف في عام 1397ه. أشكر للأستاذ المراد توضيحه وتلطيفه، متعه الله بالمزيد من الصحة والحيوية والحمد لله رب العالمين.