أسمع وأرى ما يطرح وما يقال حول مسائل الإرهاب منذ ربع قرن وإلى الآن، والحقيقة أنني في ذهول دائم ومستمر لطريقة تناولنا لهذه الظاهرة واختلاف تفسيراتنا لها باختلاف الأرض عن السماء. بعد كل هذه التجارب المريرة والتضحيات الكبيرة أستطيع أن أقول إن كل ما نسمعه ونراه يبعدنا عن المعالجة الحقيقية ولا يقربنا منها، وأرجو أن أكون مخطئا في هذه القراءة. فرغم كل هذا الجدل السطحي والبيزنطي إلا أن الساحة لم تعد مواتية حتى الآن لطرح قراءات سسيولوجية متعمقة شجاعة ومحايدة بعيدا عن الحسابات الفئوية ومراكز القوى الفكرية عن جذور وأبعاد هذه الإشكالية المزمنة والمتفاقمة وبالتالي فإن تشخيصنا لهذه الظاهرة ظل في مرحلة الحضانة فكريا وما يزال وهو ما يبعدنا كثيرا عن الحلول ولا يقربنا منها. معظم الفرقاء الذين يمسكون بخيوط هذه اللعبة الخطيرة في الخفاء يصرون على فرض رؤيتهم وتفسيراتهم لها بنفس اللغة الإقصائية التي أوصلتنا أصلا لهذا المأزق الخطير والتي ماتزال تمثل جزءا من المشكلة وقطعا فلن تكون جزءا من الحل. لقد بات واضحا أن هذه الجهود الأمنية على ضخامتها وتكاليفها الباهظة لم تعد كافية لوحدها، وأن اجتثاث الإرهاب بمثل هذه التنظيرات الضيقة والاجتزاءات المبتورة أمر غير ممكن ويوما بعد آخر يتأكد لنا أنه لا يمكن إيجاد حلول حقيقية على الأرض إلا عبر إستراتيجية وطنية تتناول كل العوامل والمحفزات والأرضيات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه المسألة بعيدا عن هذا النفاق المتبادل واللف والدوران الفكري. ويوما بعد يوم تكشف لنا حوادث الإرهاب المتلاحقة قدرا لا يستهان به من تواضع المشاعر الوطنية أمام هذه الجرائم وذلك من لدن شريحة فكرية لا يستهان بها تشكل في حقيقة الأمر الحاضنة الحقيقية لهذا الفكر المتطرف. ولأن البعرة تدل على البعير كما تقول العرب، كان لزاما لهذا الخطاب الأحادي الإقصائي المتشدد الفوقي التعبوي الذي سيطر على الساحة الفكرية لأكثر من أربعين عاما أن تكون نتائجه رديفا طبيعيا لمقدماته.