جامعة القصيم تصدر كتابًا عن سياسة المؤسس في استصلاح الرجال    مركز الملك سلمان للإغاثة يوقع اتفاقية لتقديم المساعدات لجنوب السودان    وزير الخارجية ووزير خارجية باكستان يرأسان اجتماع مجلس تيسير الاستثمار الخاص بين البلدين    أرقام مميزة للهلال قبل لقاء العين في دوري أبطال آسيا    الأحوال الجوية تؤجل موعد لقاء العين والهلال    بدء تسجيل الطلاب والطالبات المحتاجين في تكافل .. الأحد القادم    أمير منطقة تبوك ينوه بالجهود والإمكانيات التي سخرتها القيادة الحكيمة لخدمة ضيوف الرحمن    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والسيول في باكستان إلى 41 قتيلاً    موافقة سامية على تشكيل مجلس أمناء جامعة الملك عبدالعزيز    للبلطجة عناوين أخرى حول ضربة إيران لإسرائيل    مدرب تشيلسي غاضب من لاعبيه بسبب شجار على تنفيذ ركلة جزاء    الأخضر تحت 23 يستهل حُلم "باريس" بمواجهة طاجيكستان    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    الدفاع المدني يقيم حفل معايدة بمناسبة عيد الفطر المبارك    الفرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية    القيادة تعزي سلطان عُمان في ضحايا السيول    "القوات الجوية" تشارك بتمرين "علم الصحراء"    علاج جديد يعيد الأمل لمرضى السلّ    ارتفاع أسعار الذهب    استمرار التوقعات بهطول الأمطار مع انخفاض في درجات الحرارة ب3 مناطق    سعود بن جلوي يستقبل منسوبي محافظة جدة    نائب أمير مكة المكرمة يستقبل منسوبي الإمارة    «البنك الدولي»: %5.9 نمو اقتصاد السعودية في 2025    ورود وحلويات للعائدين لمدارسهم بعد إجازة العيد    المرور: لا حاجة للتسجيل لخفض قيمة المخالفات 50 %    تحرك مشترك وآليات للتنسيق الخليجي لمواجهة التطورات    اقتصاد حائل يولد 28 مليار ريال في السياحة والتصنيع    بعد غياب.. شاكيرا تعود للجولات العالمية    تركي آل الشيخ يعلن أسماء أبطال العالم المشاركين في بطولة العالم للملاكمة    أمير تبوك يستقبل وزير الحج والمهنئين بالعيد    كيف تصبح أكثر تركيزاً وإنتاجية في حياتك ؟    5 أكلات تريح القولون    ثلث النساء يعانين من صداع نصفي أثناء الدورة الشهرية    تعزيز التبادل الثقافي واستلهام التجارب الناجحة.. انطلاق المهرجان السينمائي الخليجي    أحد الفنون الشعبية الأدائية الشهيرة.. «التعشير الحجازي».. عنوان للفرح في الأعياد    الكشف المبكر لسرطان الثدي    يتنكر بزي كيس قمامة لسرقة المنازل    ماذا بعد العيد ؟    «إمكان التعليمية» تواصل دعم طلاب منهج «كامبريدج»    ارتفاع أسعار العقارات السكنية وانخفاض التجارية    «ماسنجر» يتيح إرسال الصور بجودة عالية    السراب وراء غرق «تيتانيك»    مراحل الوعي    25.187 ترخيصا للأجهزة السلكية الخاصة    المنطقة الشرقية تستضيف منتدى التكامل اللوجستي    أكثر من 380 ألف طالب وطالبة بتعليم جازان ينتظمون في 2,659 مدرسة    قوة الاقتصاد السعودي    وزارة الحج والعمرة تكمل استعداداتها لإطلاق النسخة الأولى لمنتدى العمرة والزيارة    13 فكرة من آداب استخدام «الواتساب».. !    أزمة نقل ركاب الجوف.. !    الوضع في منطقتنا.. خياران لا ثالث لهما    السلام.. واتس !    لا تظلموا الهويش والمعيوف!    انشرها يا وليد الفراج !    انطلاق فعاليات مهرجان محمية الملك سلمان بالقريات    فهد بن سلطان ينوه بدعم القيادة لقطاع الحج والعمرة    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنسوبي الإمارة بمناسبة عيد الفطر المبارك    أمير تبوك يواسي أبناء الشيخ علي بن احمد بن رفادة في وفاة والدهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيحاءات زامر الحيّ
نشر في عكاظ يوم 29 - 08 - 2015

(زامر الحي لا يطرب) مثل تجدر في الذاكرة، وتحقق بصور كثيرة في حياتنا العربية الماضية والحاضرة.
وإذا تأملنا بعمق في كلمة (زامر) أو (زمار)؟ لوجدنا (الأداء الموسيقي) بما فيه من إيقاعات مختلفة: (حزينة) أو (راقصة)، (بطيئة) أو (سريعة)، من الآلة المصدرة للصوت: (الناي) أو (المزمار) ومن الفنان المولد لتلك الجمل الموسيقية (المبدع) في أدائه الذي لا يعجب أو لا يطرب.
ليس هذا هو الشيء الوحيد الذي يلفت انتباهنا، أو نفهمه من المثل العربي زامر الحي لا يطرب ؟ فهناك استنتاجات أخرى يوصلنا إليها تأملنا في هذا المثل! فالزامر / الفعل الجمعي، أو الزمار / الفاعل الفرد المبدع، نموذج لكل إنسان مبدع، والحي نموذج لكل مجتمع معايش لهذا الإنسان الخلاق الذي تفرد بين أفراد مجتمعه بمهارة لا يجيدها إلا القلة، ولا يتفاعل معها إلا مجموعة محدودة العدد.
وتطل لنطرح الأسئلة / النصال: لماذا لا يعترف أهل الحي بما يبدعه أحد أبنائهم؟ ولماذا لا ينال حقه من الإعجاب، والتصفيق والتكريم؟ مثل الذي يناله الغريب بسرعة، وعن طيب خاطر؟!
هل الألفة والاعتياد على الشخص / المبدع، وفعله سبب من الأسباب؟ أم هي مهارة الغريب، وقدرته على ترويج اسمه وتسويق عمله، واستخلاص استحقاقاته المادية والمعنوية دون خجل؟ أم خوف أهل الحي / المجتمع، من الغريب، ومن تشهيره بهم إن هم قصروا في أداء الواجب نحوه؟!
هذه إيحاءات توالت حينما قرأت قصة: (زامر الحي)(1)، في مجموعة القاص / أحمد إسماعيل زين (2)، المسماة: (زامر الحي) (3). إنها قصة قصيرة ضمن مجموعة قصصية مكونة من عشرين نصا من القصص القصيرة، والقصيرة جدا (ق.ق.ج)، ونموذج هنا لما تحتويه بقية نصوص المجموعة.
في قصة: (زامر الحي)، مشاهد كثيرة، وكل مشهد له دلالاته. فمشهد الوالد وهو منفرد بنايه يغسل بألحانه هموم الحياة، وكدر العيش، مصافحة أولية لقارئ النص: [كان لأبي مزمار كلما أرق يلجأ إليه ليخرج ما يحتدم في نفسه... لينام،](4)، في هذا المشهد الأولي: أعطى القاص السبب والنتيجة. تنفيس أو ترويح أو علاج بالموسيقى، إذا اعتبرنا المزمار هنا هو: (الناي) والآلة الموسيقية المعروفة.
أما إذا توسعنا في الرؤية؟ فينصرف هذا إلى (اللسان)، أو (الحنجرة) ب: (أعطيت مزمارا من مزامير داود)، أو إلى (القلم) لينصرف إلى الفعل: (الكلام)، (الحوار)، (الكتابة)، وحتى (الغناء). لأن المشهد لا يذكر فعل العزف، أو الألحان في السطرين السابقين من النص.
ونجد جملة: (يلجأ إليه ليخرج ما يحتدم في نفسه)، وما يحتدم في نفسه قد يكون ألحانا يبدعها، وقد يكون كلاما (بوحا) يكتبه (شعرا ونثرا)، وقد يكون غناء يخفف به عن نفسه المشاعر المحتدمة في داخله والضغوط النفسية ليشعر بالارتياح، وتهدأ نفسه المتأزمة... فينام.
لتتوالى المشاهد تباعا في النص بمشهد الوالد عندما يستقبل في مجلسه بعض الأقارب، والكثير من الجيران والأصدقاء، وأحيانا الضيوف من خارج الحدود: [وله مجلس يومي خاص يعقده بعد صلاة العصر يأوي إليه بعض الأقارب، وكثير من الجيران، وأحيانا ضيوف من خارج الحدود،](5).
السطور السابقة من النص زامر الحي معبرة عن الإنسان المرتبط بربه، الحريص على فروضه، وعن الالتزام الروحي، والتفريق بين حق الله من العبادات وغيرها، وبين حق النفس والناس من ترويح وتواصل اجتماعي.
[فيتحول المجلس دون ترتيب مسبق إلى صالون يشع فكرا: بتناول قضايا متنوعة تطرح فيه دون تكلف.](6)، مشهد المجلس (العصري: الذي يقام بعد صلاة العصر)، صورة من صور التواصل الاجتماعي، وحرية الرأي، وهذا السلوك الإنساني المتعدد في الشخصية الرئيسة (الوالد) يبين تعدد حالات الإنسان النفسية والسلوكية خلال ساعات يومه وأشكال التنفيس أو الترويح يدل على مساحة الحركة عند الناس، وسهولة التعاطي الفكري والحوار وتعدد أشكال التعبير عن النفس وعن ما يختلج داخل الصدور.
المشهد تصوير لتلك المجالس (الجازانية) المعتادة الخاصة (الخضراء) لا تجمع بعض أهل الحي! بل تستضيف أحيانا بكل الترحاب والتقدير وجوها من خارج الحي، من الأحياء الأخرى، أو من البلدان المجاورة. وكأنه مشهد تأكيدي للمثل العربي القائل: (زامر الحي لا يطرب) المتجدر في الذاكرة، والمتحقق بصور كثيرة في حياتنا العربية الماضية والحاضرة.
ومن خلال قراءتنا للسطور السابقة بالنص زامر الحي نستشف المكان والزمان، فمكان القصة مجلس خاص في أحياء (مدينة جازان)، تلك المجالس (الصالونات الأدبية) المعتادة التي تعقد بعد صلاة، والزمان: في مرحلة زمنية لم يكن فيها تأشيرات دخول وخروج، أو قوانين صارمة تقيد التواصل بين الشعوب العربية المتجاورة، وتحد من حرية الإقامة أو السفر والتنقل بين البلدان العربية: [ربطني بمجلس أبي ضيف يحل عليه في أوقات غير منتظمة. ضيف عرفت من كلامه وهندامه أنه يقدم من بلد مجاور، فيعد له أبي متكأ في صدر المجلس ملاصقا له فيه](7).
الراوي القاص ينقل لنا مشاهداته وقراءاته لجلساء والده: [يأوي إليه بعض الأقارب وكثير من الجيران والأصدقاء، وأحيانا ضيوف من خارج الحدود،](8)، لكنه يعطي جل اهتمامه، ويركز عينه (الرائية)، وسمعه (المرهف) على ما يتصل بالضيف القادم للمجلس من خارج الحدود، ويظهر ذلك في نقل صور (كلامه) و(هندامه) الدالين على هويته وموطنه، وملاحظة (حركاته) و(سكناته)، وتعامل والده معه مع الضيف وما يجده من اهتمام واحترام وتقدير واحتفاء دلالة على مكانته الاجتماعية والفكرية وقربه إلى نفس والده يؤكدها بهذا المشهد: [فيعد له أبي متكأ في صدر المجلس ملاصقا له فيه.](9)، وفي هذه اللقطة إيحاءات كثيرة، منها: مدى الاهتمام بإكرام الضيف، عمق الصداقة والتقارب الفكري والوجداني بين الأب والضيف، وتأكيدا للمثل: (زامر الحي لا يطرب).
شخصية الضيف فيها انعزال عن جدل رواد المجلس واندلاقات أفواههم المنتفخة بالكلمات: [يبقى الضيف ساكنا في مكانه، منشغلا مع نفسه بقراءة كتاب، أو كتابة شيء يصرفه عن متابعة الملل الذي يصدر من محاولات بعض الحاضرين للظهور.](10)، ولكننا نكتشف من هذا المشهد في شخصية الضيف صفات العالم الذي لا يلتفت إلى الأحاديث العادية وثرثرات المجالس، فصمته ليس عجزا، إنما هو تحفظ عن الولوج في الحوارات العقيمة والجدل البيزنطي لإثبات النفس!. صمته لغة ناطقة تقول لمحاولي الظهور: (العربة الفارغة أكثر ضجيجا)، ولا يشارك إلا إذا طلب منه المشاركة: [لكن إذا وجه إليه أحدهم سؤالا أو مسألة في الفقه واللغة والأدب، يعرف الحضور مدى اهتمامه بالرد عليها من نزع نظارته القديمة، وتخليل أصابعه بين شعرات رأسه المائلة أكثر للبياض، وهو مغمض العينين، ومن النظرة المباشرة للسائل أثناء طرحه للسؤال ومع بداية إعطائه للإجابة. فيصمت الجميع ويرضى السائل مقتنعا](11)، لقطة مقربة على الشخصية الضيف من (الراوي) القاص (الابن) تسجل بسينمائية تفاصيل صغيرة عن الشخصية الضيف من خلال: (نزع نظارته) والنظارة (قديمة)، تخليل أصابعه بين شعيرات رأسه شعيرات (مائلة للبياض)، لحظات للتفكير وإغماض العينين (للتفكير)، النظرة المباشرة نحو السائل. وما يؤكد احترام الجميع للضيف صمتهم عندما يتحدث، وقناعة السائل بما يطرحه له من معلومات، والرضاء بالجواب الصادر عنه.
شخصية الضيف شخصية مهمة بالقصة لصفات تمتلكها كالعلم الوجاهة الاجتماعية والمكانة العلمية. والمفارقة إن هذا الضيف الصامت المنعزل بكتاب يقرأه، أو كتابة يسطرها، جعل (الراوي) القاص (الابن) يكتشف مواهب أبيه بطريقة متخيلة، وغير مباشرة في سرده!. بحيث يتخيل القارئ من خلال السياق السردي للأحداث، ومن خلال الزيارات غير المنتظمة من الضيف (العالم الوجيه صاحب المكانة) لمجلس الأب، والجلوس بجواره في صدر المجلس، وما كان يسمعه من حوارات متبادلة بينهما دلالة واضحة بأن المضيف بمكانة علمية واجتماعية ومكانية مكافأة للضيف، ولكن أهل الحي / المجتمع، والجلساء والأصدقاء وحتى الأقارب يهمشونه بجعله (زامر حي) لا يطرب. لنجد أنفسنا في المحصلة النهائية من القصة القصيرة، والمجموعة القصصية المسماة: (زامر الحي)، أمام زامر حي حقيقي لا يطرب، وأن المتهم البطل في (محضر تحقيق)، وفي (حيرة)، و(الموقوف)، و(الغريبان)، و(المستجير)(12)، وجميع شخصيات قصص المجموعة هم زمار حي!.
ونجد أنفسنا مدفوعين لطرح السؤال الأزلي ب: لماذا يجد الغريب الاحتفاء والإنصات والاهتمام الزائد من الجميع؟ ولا يجد ذلك ابن الحي القريب والملتصق وجدانيا بهم؟! وما سبب جعله ينطبق عليه المثل (زامر الحي لا يطرب)؟!
..........
- مجموعة قصصية للقاص / أحمد إسماعيل زين. من أدبي جازان.
- أحمد إبراهيم يوسف. قاص سعودي.
1- قصة قصيرة من المجموعة القصصية (زامر الحي).
2- قاص سعودي.
3- المجموعة القصصية (زامر الحي).
4 و 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11- القصة القصيرة (زامر الحي).
12- قصص قصيرة من المجموعة القصصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.