الزراعة هي أول اقتصاد نشأت عليه الحضارة الإنسانية، وهو الاقتصاد الذي لا يمكن أن يستغني عنه مجتمع مهما بلغ تطوره الصناعي والتجاري والعلمي. والدول الصناعية الكبرى تدرك هذه الحقيقة تماما، لذلك سنت القوانين والأنظمة واتخذت الإجراءات الضرورية لحماية الاقتصاد الزراعي لديها وحماية طبقة المزارعين في مجتمعها. وقد دخلت بعض الدول الصناعية في صراعات مريرة من أجل حماية مصالح مزارعيها، كما حدث بين أمريكا وفرنسا في أواخر التسعينيات من أجل مزارعي الموز في البلدين. والمزارعون في المملكة يواجهون مجموعة من التحديات ستؤدي في نهاية المطاف إلى اختفائهم تماما من المجتمع السعودي، إذا استمرت التحديات على ذلك النحو. وأول تلك التحديات عزوف الشباب عن مهنة الزراعة، التي كانت أهم مهنة في المملكة إلى وقت قريب، وأسباب عزوف الشباب عن الزراعة كثيرة، لكن أهمها ضعف العائد المادي للمزارع مقابل ما يحصل عليه تاجر المنتجات الزراعية، وذلك بسبب نظام البيع في أسواق الخضار الذي لا يسمح للمزارع ببيع منتجاته للمستهلك مباشرة، بل يجب أن تنزل في مزاد بسوق الجملة، الذي غالبا ما يتحكم به عمالة وافدة والتجار يبيعونها للمستهلك. والسبب الثاني هو سيطرة العمالة الوافدة على معظم المزارع العاملة في المملكة حتى الكبيرة منها، كمزارع النخيل والقمح ومنافستهم تعد من المستحيلات. ولهذا الأمر أسباب كثيرة يطول تفصيلها هنا. وتأتي مشكلة المياة كأكبر المعوقات أمام الزراعة والمزارعين. فخلال الطفرة الزراعية في الثمانينات استنزفت موارد المياه الجوفية في المملكة تماما، نتيجة طرق الري الخاطئة. كما أن ضعف الأبحاث في مجال المياة والري وتقنيات الزراعة المناسبة لأجواء المملكة لم تسهم في مساعدة المزارعين على التغلب على مشكلة ندرة المياة، ما أدى إلى تعطل وموت الكثير من المزارع، وهجر أصحابها للزراعة. أعتقد أنه إذا لم تتحرك وزارة الزراعة والمياه بشكل سريع ومناسب لحل مشكلة هجر الزراعة من قبل المواطن السعودي فسوف تختفي فئة المزارعين قريبا، ونفقد بذلك العمود الفقري للطبقة الوسطى والمجتمع الريفي الجميل والعمود الفقري لأي اقتصاد قوي ومتكامل. عبدالخالق بن علي