ليس في وسع أي إداري وقائد أن يحقق تميزا في المجال الذي يتسنم مسؤولية إدارته، ويبدع في قيادته؛ إن لم يكن حصيفا في قراءة ما سبق بتحديد الإمكانيات والتحديات، قادرا على معايشة ما هو ماثل وحاضر أمامه بتقديم المعالجات المناسبة لكل ما يواجهه، ومستشرفا بثاقب بصيرته لما هو آتٍ بوضع الخطط الكفيلة بانسياب العمل في حدود مسؤوليته بسلاسة ورؤى استباقية. ولعل هذه الميزات الثلاث تتجسد في سمو الأمير خالد الفيصل، فكل عمل يقدم عليه سموه، تتكامل فيه كل الأسباب الموجبة لنجاحه، ويضيق المقام هنا عن إيراد هذه الأعمال لكثرتها، ويكفي أنها منجزات قائمة على أرض الواقع في أم القرى وما حولها، تشير بجلاء ووضوح إلى النهج الإداري المميز الذي يتبعه الأمير خالد الفيصل، والقائم على وعي إداري نافذ ومميز. سوق عكاظ في نسخته التاسعة وقد اكتملت صورته بعد أن تم تطويره مع رؤساء الأندية الأدبية عبر عمل مؤسسي وآلية عمل تضمن تفعيل دور المؤسسات الثقافية بما فيها جمعيات الثقافة والفنون والإعلاميون كما تم إشراك المثقفين والأدباء في دعوة ضيوف السوق لأول مرة مما يعطي دفعة قوية للحراك الثقافي والادبي متخطيا حدود الجغرافيا وفواصل التاريخ. ولعل أنصع مثال على القدرة الإدارية والفكرية الفذة للأمير خالد الفيصل تتجلى في تطورات «سوق عكاظ» ببرامجه وفعالياته المتعددة وأهدافه المتمثلة في مد الجسور بين الماضي والحاضر والمستقبل، فالقراءة التاريخية الحصيفة لسموه، بعثت هذا السوق من مرقده الذي امتد إلى قرون طويلة، وآماد بعيدة، حيث ران عليه الصمت، واعتراه التجاهل طوال هذه المدة، وقد كان ملء السمع والبصر، ومثابة اقتصادية واجتماعية وأدبية، لتمتد إليه بصيرة الفيصل معيدة إليه وهجه القديم في ثوب حضاري جديد واءم بين الماضي بكل مذخوراته التراثية والحضارية المميزة، وبين الحاضر بكل متغيراته التقنية الضخمة، ليصبح سوق عكاظ رؤية الفيصل همزة وصل، وجسرا حضاريا وشج المسافات والحقب التاريخية، وهي رؤية قرأت الواقع جيدا، وعرفت أن طوفان العولمة الجارف يستوجب عملا يأخذ بأسباب التأصيل، وتمتين الجذور، وفي الوقت نفسه لا ينفصل عن الواقع المعيش، وهكذا كانت الرؤية في معايشتها للحاضر، لتقدم نموذجا مضيئا لكيفية تجسير المسافات، واستنطاق التاريخ، وتمتين الجذور بالماضي واستنهاضه بوعي مدرك لمعطيات الحاضر. أما استشراف المستقبل في ثلاثية التميز الإداري ضمن نموذج سوق عكاظ، فيتجلى بارزا فيما يشهده السوق في مواسمه المتعاقبة من إضافات جديدة، وتطوير مستمر، حيث يبدأ العمل في أي موسم بانتهاء الموسم الذي سبقه، حينما توضع الإنجازات والإخفاقات على طاولة البحث والمناقشة، وفي ضوء النقاش الهادف والصريح يتم تحديد الرؤية المستقبلية لمواسم «عكاظ» القادمات. وليس أدل على ذلك من استعدادات السوق المبكرة للدورة التاسعة، ففي الاجتماع الذي عقد مؤخرا، وجه سموه بأهمية تطوير العمل في سوق عكاظ وذلك من خلال إعداد ووضع استراتيجية تحدد ملامح العمل المستقبلي في هذا المهرجان الذي تجاوز المحلية والإقليمية إلى العالمية. إن مخرجات ذلك الاجتماع تكشف بجلاء مدى حرص سمو الأمير خالد الفيصل إلى مد ضوء البصيرة إلى أبعد من الآني والحاضر، إلى ما هو متوقع، لتكون الخطط كفاء ذلك، والعمل منضبط وفق المهام الموكلة لكل لجنة أو جهة اختصاص، بجدول زمني منضبط، يحترم فيه الوقت، وتنضبط فيه المهام، لضمان عمل مؤقت بميقات واضح لا ينخرم لأي سبب من الأسباب، ولا يبقى عرضة للصدف، والتقديرات الآنية، حيث جرى تحديد مهام اللجان بصورة واضحة لا لبس فيها، وموعد افتتاح السوق في نهاية العام الحالي، وتحديد الجوائز المقدمة للفائزين في الأفرع التسعة، وتفاصيل مسرحية الافتتاح التي درج السوق على تقديمها كل عام متخيرا سيرة أحد شعراء المعلقات، إضافة للفعاليات الثقافية المصاحبة، والجدول الزمني لفعاليات الدورة التاسعة، فضلا عن مناقشة التصور النهائي لمبنى أكاديمية الشعر العربي وموافقة سموه على فتح المجال أمام الشعراء، والفنانين التشكيليين، والخطاطين، والمصورين الفوتوغرافيين في الوطن العربي، والمبتكرين في المجال العلمي، للترشح لجوائز سوق عكاظ في نسخته التاسعة.، بما يتيح لهم الوقت لإنجاز أعمالهم بشكل دقيق ومبدع يكون جديرا بأن ينافس في هذا المحفل الثقافي والأدبي والتراثي الكبير. إن مثل هذا التخطيط المبكر لسوق عكاظ، يقدم نموذجا من النماذج الكثيرة الدالة على الوعي الإداري الفذ الذي يتمتع به فكر الفيصل، فالتبكير باستعراض مهام اللجان، ووضع الاستراتيجية التي تقوم عليها هياكل العمل في السوق، يتيح الفرصة للمراجعة والتقويم في أي لحظة، وتضع المهرجان في سياق متصل من تطوير وتقدم. مباركا للدكتور سعد مارق أمانته للجنة الإشرافية فهو صاحب خبرة واسعة ورؤية استشرافية وخلق عالٍ وأفق عملي يضيف لهذا السوق التاريخي بعدا عالميا يرقى إلى طموح الوطن، نسأل الله له التوفيق والقائمين على شؤون السوق وتطلعاته..