يجادل البعض بأن لا عودة للحضارة الإسلامية إلا بالعودة إلى المجتمع الذي نشأت فيه الدعوة الإسلامية؛ أي عصر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. والمقصود بالعودة هنا: العودة إلى طبيعة تلك الحياة وذلك المجتمع بكل التفاصيل. ورغم أن من يحملون لواء هذه الجدلية يقدمون كثيرا من الحقيقة.. إلا أنهم يزرقون معها أفكارا مزورة ومشوشة. فهذه الجدلية تحمل تحت جلبابها مغالطات فكرية.. ولا تصلح إلا لتسميم الجو الاجتماعي. فالفكرة ليست في نوع الدين أو المجتمع الذي نشأ فيه.. ولكن في وجود دين من عدمه. فالإيمان والتحديات باختصار شديد هما عماد الحضارة. عودة الحضارة الإسلامية ليست مرتبطة إطلاقا بعودة المجتمع إلى 1436 عاما مضت.. ولكن بتطبيق التعاليم على المجتمع الحالي ومعايشة الدين للواقع ومواجهة تحديات العصر. الدين والثقافة وجهان لعملة واحدة لا يفترض أن نفصل بينهما. والتركيز على جدلية أن المجتمع لن ينصلح إلا إذا عاد إلى فترة نشوء الدين.. لن تصنع سوى حاجز من المستحيل أمام معتنقي الدين من أفراد المجتمع. لا أحد يريد العودة إلى الوراء أو أن يعيش في الماضي.. المجتمع يريد أن يعيش حاضره وأن يجد الدين الذي يوائم ذلك الحاضر.. أما العودة للماضي وطرح قضايا الحاضر من منظور الماضي، فهي محاولة فاشلة لتجريد المجتمع من ثقافته. ولو نجحت أي المحاولة فإنها تكون قد صنعت معول هدم للحضارة وليس أداة بناء لها. عندما تكون فكرة الدين مطلقة ولا ترتبط بثقافة ما أو بواقع حياة ما.. فإن من يقتنع بها يعيش رافضا للواقع ولكل مقومات الحضارة.. ويسعى لتدميرها ليعود للماضي.. ومثل تلك الأفكار هي غواصات الفكر الإرهابي. الدين يضبط الزمن الحاضر.. ولا يجر المجتمع لزمن مضى. عندما جاء الإسلام بملة إبراهيم حنيفا، لم يأمر الناس بالعودة إلى حياة زمن سيدنا إبراهيم عليه السلام، ولكن رغم أنه يدعو لنفس المبادئ الدينية تعامل مع البعدين: الزمني والمكاني. أصول الدين لا يمكن أن تتغير لا بالزمان ولا بالمكان.. ولكن القضايا الفقهية يجب أن تخضع لتغير الزمان والمكان. فالحياة خارج العصر ليس لها مرجع سوى (الغربة الفكرية).