أمس تناقلت الأخبار تعيين راشد فهد الراشد رئيسا لتحرير صحيفة الرياض بعد استقالة رئيس التحرير السابق تركي السديري. وكان محمد المختار الفال اختير رئيسا لصحيفة عكاظ بعد استقالة رئيس تحريرها الدكتور هاشم عبده هاشم. وما بين الصحيفتين، والرئيسين السابقين والجديدين، لا بد أن يسجل الصحفي، من أمثالي، نقاطا كبرى في المسار الصحفي السعودي، الذي تنامى شيئا فشيئا إلى أن أصبح يعد من أوسع وأغنى المسارات الصحفية العربية. في صحيفة الرياض، التي بدأت بها خطوات طفولتي الصحفية في مطلع الثمانينيات، كان تركي السديري هو الأستاذ والمعلم الأكبر، القاسي أحيانا واللين أحيانا أخرى. ولو سردت حكاية الصحفي الصغير مع المعلم الكبير لحوالي عشر سنوات ما وسعني كتاب كامل. ما أسجله أن الرجل علمني، كما علم غيري، الصحافة. وبعد حوالي العقدين من مغادرتي الصحيفة، لم يتردد الأستاذ في أن يستشهد بما كتبه (تلميذه) ذات يوم في زاويته بصحيفة اليوم. عكاظ التي قرأتها صغيرا وكتبت بها كبيرا على فترات متقطعة، كانت تطبخ يوميا على يد معلم آخر هو هاشم عبده هاشم، الذي اشتهر بمطاردة السبق الصحفي والحرص عليه وممارسة الغضب العارم إذا نشرت صحيفة محلية خبرا لم يعلم به مراسلو ومحررو عكاظ. وكان، أيضا، مقاتلا شرسا ضد صديقه السديري في مسألة أي من الصحيفتين أكثر توزيعا على مستوى المملكة، إلى درجة أن الصحيفتين، في فترات كنت شاهدا حيا عليها، نشرتا تقارير متواصلة على ثلاث وأربع صفحات تحاول فيه كل منهما أن تثبت أنها الأقدر والأكثر جماهيرية. الآن الصحيفتان بين يدي معلمين آخرين تربيا طويلا في كنف البيت الصحفي السعودي، حين كان فقيرا وحين اغتنى وأصبح من أغنى البيوت الصحفية العربية. وهما، محمد الفال وراشد الراشد، يأتيان في وقت يقل فيه حظ الصحف المطبوعة كثيرا لحساب النشر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. ويتحملان، نتيجة لذلك، مسؤولية كبرى وصعبة في الإبقاء على الصحيفتين ناجحتين كما كانتا على الدوام. هما يدركان ذلك من خبرتهما القديمة ومن مراقبتهما لسوق الصحافة اليوم الذي تعصف به متغيرات لن يكون آخرها الهواتف (الذكية) الجوالة. على المستوى الشخصي أثق بحكمة الرئيسين الجديدين وأثق بقدرتهما على تكوين فرق عمل شابة تدير عمل الصحيفتين بما يواكب هذه المتغيرات، وبما يؤمن مستقبلا جيلا صحفيا سعوديا كفؤا يتعامل مع أدوات عصره على المستوى المهني بما تفرضه، بلا هوادة، هذه الأدوات. نحن الآن أمام الجيل الصحفي السعودي الثالث بعد جيلين: جيل المؤسسين الذي وضع القواعد وجيل المنجزين الذي ارتفع بالبناء الصحفي السعودي إلى أعلى ما يمكن.