ينظر البعض إلى مصطلح الاعتدال باعتباره درجة من درجات الإخلاص للعقيدة والفكر والسلوك ما يعني الالتزام بالإيمان، ولا يتردد كل طرف أو شخص في أن يصف نفسه معتدلا إزاء غيره، ولعل الاعتدال أخذ حيزا واسعا من التعبيرات اليومية إلا أن تطبيقاته تخضع للتأويل الخاص والتفسير الاجتهادي لكل متصف بهذا الوصف الإيجابي، ويرى المفكر المغربي سعيد بنكراد أن المعتدل يصرف اعتداله ضمن سياق نصي مخصوص هو وحده من يتحكم في مضمون القيمة ويمدها بصلاحياتها في الإيمان والقاعدة السلوكية على حد سواء كون ما هو موجود خارج هذا السياق مرفوضا بحكم انتمائه إلى دوائر قيمية غريبة، أو بحكم وجوده ضمن دائرة مذهبية لا يؤمن بها المجتهد، ويؤكد على أن الاعتدال في تأويل المتن وتدبر معانيه يتم وفق مصلحة يحددها نسق فكري مسبق لا يرتبط بالضرورة بمصلحة إنسانية عامة يمارسها الفرد ضمن غطاء قانوني من طبيعة وضعية كوننا لا نسائل نصوصا تختلف عن بعضها بعضا في المضمون والإحالات المرجعية، بل نرصد التفاوتات الممكنة بين دلالاتها حسب سياقات التلقي، وضرب مثلا على ما سبق بقوله (لا يمكن أن يكون التشدد والخروج عن دائرة الاعتدال في عرف البعض خرقا للقانون، بل هما «شطط» في استعمال معاني النص وتعاليم الدين وليس خروجا على الإيمان، فالإيمان ثابت عند المؤول لكن طاقته إما زائدة عن حدها أو أقل مما يجب وسينظر البعض إلى الاعتدال، من هذه الزاوية، باعتباره «حدا أدنى في التقوى»، فيما التشدد «حدا أقصى فيها» دون أن يعني، في الحالتين معا، إمكانية الاعتراف بحق الآخرين في التميز والاختلاف، ويذهب إلى أن الاجتهاد وفق هذا الموقف لا يوفر مساحة يتعايش فيها كل الناس باختلاف انتماءاتهم، بل يرسم حدودا تفصل بين الكفر والإيمان، ولو لم يكن الأمر كذلك لكنا متسامحين مع بعضنا بعضا، لا أن نوجه التسامح نحو الآخرين فقط»، وأضاف أن الاعتدال هو صيغة لملاءمة النظام مع مقتضيات الإيمان الديني، ما يؤكد أن الفرد في عرف المعتدل ليس مستقلا في وجوده وتفكيره، بل يخضع في سلوكه ونواياه لمجموعة من الأحكام يختصرها الشرع في الحلال والحرام والمباح والمندوب والمستحب والمكروه، وتساءل لماذا لا يقودنا هذا التراكب إلى تحديدات دلالية صارمة ومكتفية بذاتها بدلا أن يمدنا بكل أدوات التنسيب في الحمولة الدلالية والقاعدة السلوكية على حد سواء، ذلك أن الاعتدال في ذهن البعض لا يتعلق بقانون ينظم العلاقات الممكنة بين الأفراد خارج ما تقوله قناعاتهم ورؤاهم الخاصة، بل هو رغبة في تعميم سلوك جاهز في النصوص لا في الحياة، وطالب بإعادة تعريف الاعتدال ضمن الإطار الذي تقوم عليه إكراهات العيش المشترك كوننا لسنا في حاجة إلى معتدلين يؤولون النص وفق نزوعاتهم نحو الرحمة واللين، فالإيمان شأن فردي كما يصرح بذلك الدين نفسه بل نحن في حاجة إلى مواطنين يحترمون النظام ويطبقون القانون.