حتى بدون أن تؤكد الدراسات والأبحاث حقيقة التأثير السلبي للأعمال التمثيلية وألعاب الفيديو على أخلاق وسلوك وعقلية ونفسية وثقافة وميول الفرد والمجتمع فبالمنطق الفطري يمكن استنتاج أن الإناء ينضح بما فيه، وعندما يكون كل ما في الوعاء هو الأنماط السلبية التي يراها في الأخبار والبرامج التلفزيونية والأعمال التمثيلية وألعاب الفيديو ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت فهل هناك عجب من الانفجار اللاأخلاقي الحاصل في العالم العربي ابتداء من انتشار التحرش ومرورا بالعنف الأسري وليس انتهاء بهمجية تفجير وقتل الناس غيلة في بيوت الله، إن كانت الأمم الأخرى لديها أحوال مستقرة تمكنها من احتواء الآثار السلبية للثقافة الترفيهية فالعرب ليس لديهم هذه الرفاهية، لنتصور أنه بدل تمثيل ما هو سلبي وهمجي وسيئ ومنحط تم تمثيل ما هو مثالي وجميل وراق وملهم ويري الناس الواقع البديل الجميل الذي يمكن أن يصبح واقعهم إن تمثلوا تلك المثاليات الجميلة التي تظهر في الأعمال الفنية والبرامج والأخبار والمقالات عن الذين جعلوا حياة غيرهم والعالم أفضل بفضل أخلاقهم وسلوكهم الشخصي الجميل، فالتفاؤل والإيجابية لا يعنيان أن يتهرب الإنسان من الإقرار والاعتراف بوجود السلبيات وانتقادها إنما يعنيان أن لا يركز الانتباه على السلبيات ويتصرف من منطلق أنه لا يوجد سواها، فمثل هذا المنظور المتشائم هو الذي يخلق الانطباع لدى الشباب بانعدام قيمة حياة كل الناس باعتبار أنهم مجرد تجسدات لكل تلك السلبيات ولهذا يتهيأ له أن قتلهم هو قتل لتلك السلبيات، وأن تفجير وتدمير الواقع هو إزالة لبنية تلك السلبيات، وللأسف أنه فوق سلبية كل ما ينتجه العرب إخباريا وفنيا فهم يستوردون من الشعوب الأخرى أيضا مساوئها وبالذات الأفلام والمسلسلات الأمريكية البالغة العنف والتي تجعل العنف السيكوباتي السادي العديم الرحمة من أنماط البطل الذي ينقذ العالم بقتله لأكبر عدد من البشر وإحداثه أكبر قدر من التدمير ضمن ثقافة الأكشن، يضاف إليها موجة الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تمجد همجية العصور الغابرة وتقطيع الرؤوس واستعباد النساء واعتبارهن مجرد أغراض جنسية مثل المسلسل الأمريكي «لعبة العروش-Game of Thrones» الذي تعرضه إحدى الفضائيات العربية، مع العلم أن أمريكا لديها مسلسلات وأفلام تظهر المثاليات الراقية والسلوكيات الإنسانية الحساسة الطيبة، لكن العرب لا يشترونها فكل ما يشتريه العرب من أمريكا هو أسوأ ما تقدمه ثقافة الأكشن الهمجية والإثارة الغرائزية المبتذلة فوق ما ينتجه العرب منها.