ليلة الأمس كنت ولأول مرة من المنتظرين خلف ذلك الحاجز الزجاجي وخلف ذلك الرجل الذي يرتدي الزي الرسمي لموظفي المطار الأبيض المنتهي ببنطال تكسوه غمقة الأزرق، وفي غمرة هدوء للنفس المنتظرة وخلفية صوتية لأرقام الرحلات المغادة تتخللها مشاعر المستقبلين والمعانقين لأشخاص يحبونهم، توجه كل اهتمامي لرجل يرتدي الزي السوداني خط الشيب شعره تخطى الحاجز الزجاجي راكضا نحو امرأة هرمة ترتدي وشاحا اخضر وحجابا يدل على كنهها وانها من المنطقة ذاتها، احتضنها وبدأت دموعه في الانهمار وكأنه عاد بين احضانها طفلا صغيرا، لم يهتم لرجل المطار او البشرية التي خلفه او للمحيط او للمكان، بل كان جل اهتمامه ان يحظى بذلك الحضن الدافئ، لم استطع منع دموعي من مساندتهما ولو من وراء حاجز فقد كانت مشاعرهما تصل للجميع. ومن الناحية الأخرى أولاد في سن المراهقة وطفلان صغيران يصحبهم أخ لهم ناضج وأب يكسو شعره الثلج، وكانوا جميعهم ينتظرون بشوق ولهفة حينما رأوا من ينتظرونها اخذوا بتقبيلها واحتضانها وحمل الأغراض عنها ولم أشك في كونها أمهم إلا اختلاف الأشكال واللغة ونداءهم لها ب(دادا) فتبينت أنها كانت مربية لهم منذ الصغر ولم تمنعهم أشنابهم ولا جنسيتهم ولا العادة ولا القبيلة من أن يقدروها كما تعبت وعادت تاركة أهلها لترعى من تبقى منهم. وفجأة وأنا في خضم تفكيري وبجوار هؤلاء الذين يلتقون بأحبتهم، رأيت ذلك الصبي الذي لم يكن لعيني إلا أن ترياه طفلا مهما كبر، خرج وهو يحمل حقائبه وابتسامته برؤيتنا تعلو وجهه فلم يسعني الا أن أركض وأتجاوز جميع الحشود محاولة الوصول إليه ولم يغب عني وعن إخوتي بأن نرقب لقاء والدتنا به فقد كانت تبكيه مرارا وتكرارا طوال عشرة أيام، وحينما التقاها لم تسعها الدنيا من الفرح وكأنما عادت الكهرباء بعد انقطاع. لجين غروي